عبدالله السويجي منذ توقيع اتفاقية أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول في العام 1993 في واشنطن بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي اعترفت فيها المنظمة بحق إسرائيل في الوجود، واعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، منذ ذلك التاريخ والقضية الفلسطينية تشهد تراجعاً ملموساً على المستويين العربي والعالمي، إذ لم تحقّق الاتفاقية البنود المتفق عليها، وأهمها الانتقال من الحكم الذاتي إلى الدولة الفلسطيينية، ولم يحدث أي تقدّم في موضوعات مثل القدس واللاجئين والحدود، وعلى العكس تراجعت هذه القضايا مع ما استجد من أحداث عربية وعالمية. ولعلّ ما وضع القضية الفلسطينية في الأدراج ما تعرّضت له العديد من الدول العربية جراء ما سمي «الربيع العربي»، الذي استحدث أولويات لدى المجتمع الدولي، وأهمها محاربة الإرهاب، هذا الإرهاب الذي شمل المتقاتلين من الطرفين في صيغته النهائية، فأصبحت التنظيمات التي تقاتل في سوريا جنباً إلى جنب مع النظام السوري على لائحة الإرهاب طبقاً للمعايير العالمية وبعض الحالات العربية. وفي الواقع، فإن التراجع الذي بدأت تشهده القضية الفلسطينية بدأ قبل «الربيع العربي» بحوالي عقدين، فذاك الربيع بدأ في العام 2010 بينما التراجع بدأ في العام 1993، في اللحظة التي تم فيها التوقيع، بل نستطيع القول إنه بدأ في العام 1991 وهو تاريخ انطلاق المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبهذا يكون «الربيع» بريئاً من حالة الوهن والضعف التي يعيشها الفلسطينيون، وإن ألقى ظلاله عليها، إضافة إلى حالة الانقسام التي بدأت في العام 2007 أي قبل انطلاق «الربيع العربي» بثلاث سنوات، ولهذا الواقع أسبابه الكثيرة. لقد قرر الفلسطينيون التخلي عن استراتيجية الكفاح المسلح بعد خروجهم من بيروت في العام 1982، إذ توقفت العمليات والمواجهات المسلحة بين الطرفين، وإن لم تخل من معارك استخبارية واغتيالات، لكن العام 1991 شهد انطلاق فلسفة السلام بين الطرفين وتُوجت بتوقيع اتفاق أوسلو، ما جعل الفلسطينيين يركنون إلى الهدوء والسكينة وانتابهم إحساس أنهم حقّقوا أهدافهم الرئيسية، لا سيّما حين عاد أبو عمار إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1994، وبدأ يتصرف كرئيس دولة وليس رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وما زاد من حالة الاطمئنان السياسي التي انعكست على التنمية الداخلية بشكل مباشر، حصول الفلسطينيين على دعم مالي كبير من الدول العربية والدول العالمية المانحة، ما خلق نوعاً من التراخي شعر القادة الفلسطينيون أنهم ليسوا في حاجة إلى تنمية اقتصادية واجتماعية ووطنية، واستمرت الممارسات السياسية والشللية التي كانت تمارس قبل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، هذه السلطة التي هي عبارة عن إطار انتقالي مدته خمس سنوات، لكنه امتد إلى أكثر من 25 سنة. ولا شك أن الانقسام الذي بدأ في العام 2007 ألقى بظلاله على ضعف القضية الفلسطينية وجوهرها، وعكس شرخاً في الممارسة الديمقراطية للفلسطينيين، وأعطى للعالم فكرة أن الفلسطينيين لم ينضجوا بعد لحكم أنفسهم. ولا يزال القادة الفلسطينيون يتخذون مواقف انفعالية وسياساتهم عبارة عن ردود فعل لا تستند إلى استراتيجية حقيقية حتى باتوا بلا أصدقاء حقيقيين. وقد استغلت إسرائيل هذا الضعف الفلسطيني والأحداث الكبيرة التي تعرض لها الوطن العربي للتنصل من الاتفاقيات مع الفلسطينيين، إلى درجة أن سياسييها طالبوا بضم الضفة الغربية، وانتهزوا حالة الضعف الفلسطيني والتشرذم العربي، فزادوا من بناء المستوطنات وآخرها الإعلان عن خمسة آلاف وحدة استيطانية على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما شجبته دول مجلس العاون وخمس دول أوروبية بقوة، وربّما كانت إسرائيل تبيّت هذه الخطط منذ سنوات وواتتها الفرصة للإعلان عنها والشروع في تنفيذها. البيت الفلسطيني يحتاج إلى إعادة ترتيب سياسي واقتصادي وأخلاقي وقيمي منذ سنوات طويلة، وعلى رأس هذا الترتيب المصالحة بين الضفة والقطاع، وإيقاف الفساد المالي وهدر الإمكانيات، وتجديد القيادات وتطعيمها بالطاقات الشابة، ووضع استراتيجية تنموية تخلق وظائف لعشرات آلاف العمال الذين يذهبون يومياً للعمل في إسرائيل، وبناء المؤسسات. فالمنح المالية والمساعدات لن تدوم إلى الأبد، بل إن منظمة الأونروا لن تدوم إلى ما لا نهاية، وسيأتي اليوم الذي سيتحمل فيه القادة مسؤولياتهم التاريخية، وأعتقد أنه آن أوان هذا الترتيب الحقيقي واتخاذ مواقف وطنية تحمي الشعب الفلسطيني من ضياع محتمل. suwaiji@icloud.com
مشاركة :