الجهد المؤسس والخلاق في المسرح والترجمة..

  • 10/20/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن أن يحتفل العالم بمختلف أصقاعه باليوم العالمي للترجمة دون أن يذكر في سياق الاحتفال برواد وأعمدة الترجمة فيه، رائد وعميد الترجمة في مملكة البحرين الدكتور محمد الخزاعي الذي حمل على عاتقه منذ ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا مهمة الترجمة لتعريف البحرين بكنوز الثقافة والأدب والفكر والتاريخ العالمية وتعريف العالم بتاريخ وحضارة وكتاب وأدباء ومسرحيي ومفكري البحرين. إنه أول من أرسى الفعل الثقافي المؤسسي للترجمة في البحرين، ونادى بضرورة فهمها واستيعابها ودورها وتأثيرها الفاعل والخلاق على المجتمع ومؤسساته الثقافية، فالدكتور الخزاعي وبالرغم من اختياره عضوًا بمجلس الشورى الأمر الذي يتطلب منه جهدًا غير عادي في مجال التشريع، إلا أنه لم ينصرف أو يتخلى عن حبه الأول، وأعني به الثقافة والترجمة، فهو من أوائل الدارسين الأكاديميين البحرينيين والخليجيين في حقول الأدب المسرحي بجامعتي لندن وليدز ببريطانيا وقد نال فيهما درجتي الماجستير والدكتوراه، إضافة إلى الدورات الإدارية للفنون التي تحصلها من معهد بوليتكنيك وسط لندن (جامعة وسط لندن)، وهذه الدراسة بهذه الجامعات العريقة بلندن هيأته وأهلته لأن يجوس أعماق الأدب الإنجليزي والعالمي وأن يختار من هذه الأعماق أهم وأغنى الدرر الأدبية والمسرحية ليترجمها على العربية ويثري بها وعي وذائقة القاريء العربي، لذا تعد ترجماته نظرًا لدقتها وتمتع مترجمها بخبرات لغوية فريدة في مجال اللغتين الإنجليزية والعربية وفي مجالات الأدب والثقافة والفنون مرجعًا مهمًا لا غنى للباحث في هذه المجالات عنها.    ومن أهم ترجمات الدكتور محمد الخزاعي أبطال مسرحيات مارلو الرئيسية (أطروحة ماجستير باللغة الإنجليزية) 1969، ودراسة لتطور بدايات أدب المسرح العربي (رسالة دكتوراه بالإنجليزية) 1978، وتطور بدايات المسرح العربي (باللغة الإنجليزية) 1984 وله من الترجمات في المجالات الأدبية والثقافية والحضارية ما يربو على العشرين كتابًا تتراوح بين القصة والرواية والدراسة والمخطوطات والوثائق، ولعل من أهمها ترجمته لرواية (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل عام 1994، وترجمته من العربية إلى الإنجليزية لروايتي «كف مريم» و«أيام يوسف الأخيرة» للكاتب البحريني عبد القادر عقيل وأيقظنتي الساحرة لقاسم حداد 2004، وترجمته إلى العربية «البحار العجوز» لصموئيل كولردج، 2010 و«المعطف والأنف» لنيكولاي جوجول، 2013، وترجمته إلى الإنجليزية كتاب «الأسطورة والتاريخ الموازي: الجزء الأول» لمي آل خليفة 2008، وكتاب «من بدايتنا إلى يومنا الحاضر..» لنانسي خضوري 2007 «ورسائل إلى عشتار» مجموعة من الشعراء العرب، 2009. وهو إضافة إلى الترجمات لديه دراسات عدة في الأدب المسرحي ودراسات مقارنة لنشأة وتطور أدب المسرح عند العرب إضافة إلى دراسات ومقالات في النقد الأدبي عنونها بـ ( بداية البدايات ).  وقد اضطلع الدكتور الخزاعي إبان توليه منصب مدير إدارة الثقافة والفنون بدور كبير ومهم في دعم الحراك الثقافي والفني وخاصة المسرحي، حيث أسهم في تهيئة الكثير من التخصصات الفنية والمسرحية في أهم الأكاديميات الأوربية وخاصة البريطانية، وكان داعمًا رئيسًا فاعلاً للحراك المسرحي في البحرين، بل هو يعد أول من أطلق أجنحة المسرحيين في فضاء المسرح العالمي وأول من منح تراخيص إشهار الفرق المسرحية الأهلية في البحرين، وقد هيأ فرصًا كثيرة لدورات مسرحية خارج البحرين، وأكثر تحديدًا في دول أوربا، ولا زلت أذكر حماس عميد المسرحيين البحرينيين أستاذي محمد عواد للدكتور محمد الخزاعي الذي كان كثيرًا ما يذكره بوصفه سببًا رئيسًا للتعرف على المسرح الذي يهوى عندما هيأ له فرصة الدراسة في لندن، كما لا أنسى إصراره الكبير على أن يطلق أعضاء مجلس إدارة فرقة مسرح أوال ورشة مسرحية تحمل اسم الأستاذ الدكتور محمد الخزاعي، وكان له ما أراد.  وقد ازدهرت إدارة المطبوعات بوزارة الإعلام عندما تولى الدكتور محمد الخزاعي إدارتها، فانطلقت من بين ضفافها الكثير من الإصدارات البحرينية وصار للكتاب البحريني شأنًا يشار إليه بالبنان، كما أنه لعب دورًا كبيرًا في الوقوف مع المثقف والفنان في البحرين عندما أوكلت إليه مهمة التشريع للثقافة والفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب سابقًا، فهو من أكثر المنحازين حبًا وفعلاً للثقافة وفنونها في مملكة البحرين، بل هو من أكثر المسئولين الإداريين في الثقافة والفنون ومن أكثر المثقفين حرصًا على المشاركة والحضور لكل الفعاليات التي تقدمها الفرق المسرحية الأهلية في البحرين، وكان بجانب حضوره كمتفرج، كان مشاركًا فاعلاً في الندوات الفكرية والتطبيقية وغالبًا ما يضيف إلينا من معارفه الثقافية التي تحصلها من خلال قراءاته لإصدارات بلغات أخرى.  هو الناسك في حقله الثقافي الذي يأسرك بصمته وابتسامة محياه الوادعة ويبهرك بفعله وبما ينجزه في حقول ثقافية عدة، وأذكر أنه في إحدى مهرجانات المسرح بأمارة الشارقة كان الخزاعي، سواء في العروض المسرحية أو في الندوات الفكرية أو التطبيقية، غالبًا ما تراه منزويًا في آخر الصفوف في القاعات، فهو لم يعتد المشاكسات والاختلاطات الاجتماعية التي تسهل أمر التعرف عليه ككثير من المسرحيين، ولعله بالرغم من الأدوار التأسيسية والفاعلة التي لعبها في الحياة المسرحية في خليجنا العربي، إلا أنه أقل المسرحيين حضورًا في مهرجاناتها وفعالياتها، ولكنه ربما من أكثر الحاضرين بفعله وصيته بينهم، خاصة بين المسرحيين الكبار الذين عايشوا الخزاعي في حقل الثقافة والمسرح والترجمة، إذ كثيرًا ما يسألون عنه ويذكرونه بالخير، ولعل كل ما يملكه الخزاعي إذا حضر مثل هذه المهرجانات أو الفعاليات هي إصداراته وترجماته الجديدة التي يهديها ويوزعها بصمت على من يعنيه أمر الثقافة والمسرح والترجمة.  إن الدكتور محمد الخزاعي لمن لا يعرفه عن قرب، ظل لفترة ليست بقصيرة أحد أعضاء لجان اختيار العروض المسرحية المحلية المرشحة للمشاركات المهرجانية الخارجية، وقد انتدب ممتحنًا خارجيًا بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت نظرًا لكفاءته الفريدة في المجال النقدي والنظري في الحقل المسرحي، كما هيأ لهؤلاء الممتحنين فرصة عرض مواهبهم أمام لجنة الاختيار للدراسة الأكاديمية في الكويت وبذلك بحضور هذه اللجنة إلى البحرين.  أدوار كثيرة ومهمة وفاعلة ومؤثرة اضطلع بها الدكتور الخزاعي من أجل الارتقاء بالثقافة والفن في مملكة البحرين، يصعب حصرها في هذه السانحة، وإن كانت الترجمة أكثرها بروزًا وتجليًا على الصعيد الثقافي.  إنه كالفراشة ينثر عطر ثقافته وترجماته بصمت ويمضي كالنسمة دون أن تستشعر حتى همس خطاه، فكل عام ونحن بك أيها الناسك الخلاق بخير..

مشاركة :