دعا مثقفون مغاربة وعرب في الرباط إلى جعل الترجمة “خلاقة” قريبة من لغة المتلقي وثقافته وألا تكون مجرد نقل “بأمانة” لنص أو خطاب ما. وقال الروائي المغربي محمد الشيكر في ندوة عن “الترجمة والتأويل” على هامش الدورة الثامنة والعشرين لمعرض الكتاب والنشر الدولي بالرباط “الترجمة ليس مجرد نقل لنص أو خطاب أو مدونة ما.. من لغة إلى أخرى، كما أنها ليست مجرد تراوح بين لغتين”. ومضى بالقول “كل ترجمة خلاقة إنما هي عملية استضافة للنص الذي يترجم إلى لغة أخرى”. وأضاف أن الترجمة الخلاقة “هي الترجمة التي تجعل النص قريبا من لغة المتلقي، ولكن كما هو بغيريته وغرابته”. واعتبر شيكر أن “الترجمة الخلاقة هي الترجمة التي تزيح المترجم نفسه وتزيح القارئ الذي يتلقى الترجمة عن هويتهما وثقافتهما،وتجعلهما قريبين من النص في لغته الأصلية وفي ثقافته”. كما قال الشاعر والمترجم الفلسطيني سامر أبو هواش خلال الندوة التي عقدت الليلة الماضية إن “النص المترجم متقن لدرجة… لا يعرف بأنه نص مترجم، وبذلك تحقق الغاية والمراد إذ تعاود إنتاج النص كأنك تكتبه لأول مرة”. كما تحدث عن رأي الجاحظ ،أحد كبار الأدباء في العصر العباسي، في الترجمة في كتاب (الحيوان) حيث اعتبر من الاستحالة ترجمة الشعر العربي “بسبب اعجازه” في الأوزان والقوافي، فنقله إلى لغة أخرى “يفقده إعجازه”. كما تحدث عن المترجم الإنجليزي وليام تيندال الذي أعدمته الكنيسة عام 1536 بسبب ترجمته الكتاب المقدس إلى الإنجليزية و”بسبب كلمة ‘الهرطقة‘ الكلمة الفضفاضة التي علق الآلاف بسببها على الصليب، والتي توازي كلمة الكفر بالترجمة وتجعل منهما جريمة واحدة”. وأضاف “إشكالات نقل الكلمات كبيرة لأن كل كلمة في لغتها الأصلية لها ذاكرة مثقلة بالمعاني والرموز والمرجعيات الفكرية، وحين ننتقل من نص إلى لغة أخرى تفرض هذه الإشكالات على المترجم بأن يكون مؤولا”. إشكالية الترجمة وتناول الناقد المغربي عبد اللطيف محفوظ الدلالة والقيمة فيما يخص الألفاظ داخل لغة ما وقال إن “الترجمة تصير إشكالية في بعض الحالات بالنسبة للغات أخرى لا تمتلك نفس الروح ونفس الشكل”. وضرب مثلا بكلمة “الخوف” في اللغة العربية ومرادفاتها مثل “هاب التي لا نستعملها إلا إذا كنا إزاء ذات اعتبارية سامية إنسانية، وخشي وتوجس وغيرها”. كما أعطى أمثلة من ترجمات مختلفة لنصوص الأديبين اللبنانيين ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران “فحتى وإن تُرجم المعنى بطريقة مختلفة عما أنتجه صاحب النص، وأفقد النص الأصلي بعض المعاني… لكن قد يضيف إلى النص المنقول معاني أخرى أكثر عمقا واتساعا”. وقال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن المختص في التراث العربي الإسلامي إن الترجمة هي مدخل للإبداع وعاب على التراث الإسلامي الفلسفي “أنه ظل متحجرا ويكرر ما أنتجه أرسطو واليونانيون”. وتابع أنه حتى “الفلاسفة العرب الذين يترجمون لفلاسفة الحداثة،هناك اتفاق بينهما أن الترجمة إبداع وتحرر”. أدار الندوة الأكاديمي والباحث المغربي المختص في اللسانيات محمد الحيرش. ويستمر معرض الكتاب الذي بدأ في أول يونيو حزيران الحالي إلى 11 من نفس الشهر ويستضيف عددا من المفكرين والأدباء المغاربة والعرب والأجانب، وتحل مقاطعة كيبيك الكندية كضيف شرف لهذه الدورة.
مشاركة :