تونس - تثير قضية البحارة الإيطاليين المحتجين في شرق ليبيا المزيد من الجدل في الداخل الإيطالي حيث باتت القضية نقطة ضغط على حكومة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، فيما لا يزال الجيش الوطني الليبي يتمسك بشروطه للإفراج عنهم. ووصلت القضية إلى الفاتيكان، حيث عبر البابا فرنسيس، عن دعمه للصيادين قائلا “أريد أن أعبر عن دعمي وتشجيعي للصيادين المحتجزين في ليبيا منذ أكثر من شهر وأيضا لأسرهم التي تأمل في أن يلتئم شملها بأحبائها قريبا”. وتوجه البابا، الأحد في عظته الأسبوعية في ساحة القديس بطرس، بالصلوات “أدعو الله أن تكون المحادثات الجارية ذات صلة بمستقبل ليبيا”، مضيفا أن الوقت قد حان لوقف كل أشكال العداء من خلال تعزيز الحوار لأجل الاستقرار والسلام في البلاد. وكانت السلطات الليبية قد احتجزت في سبتمبر الماضي قاربي صيد إيطاليين على بعد 35 ميلا شمال بنغازي، فيما تمكن زورقا صيد آخران، مبحران في الجوار، من الفرار. وبعد ثلاثة أيام، أعلنت البحرية الليبية أن القيادة العامة للجيش أصدرت تعليمات بعدم الإفراج عن المحتجزين حتى يتم إطلاق سراح لاعبين ليبيين مسجونين في إيطاليا. وتضم قائمة الصيادين المحتجزين ثمانية إيطاليين و6 تونسيين، و2 من السنغال و2 من إندونيسيا. وقال العقيد أحمد جمعة القيادي بالقوات البحرية الليبية إن زورق عكرمة التابع للجيش ألقى القبض على قاربي صيد إيطاليين وعلى متنهما 18 فردا حيث جرت إحالتهم إلى التحقيق بينما صدرت تعليمات من القيادة العامة بعدم إطلاق سراحهم إلى حين إطلاق سراح اللاعبين الليبيين المسجونين في إيطاليا. واتسعت دائرة الجدل في إيطاليا حول القضية، فيما قال وزير الخارجية لويجي دي مايو في جلسة استماع له أمام البرلمان إن “احتجاز أشخاص انتهكوا منطقة اعتبرتها جهة ما أنها منطقة خاصة بها أمر غير مقبول، كما أنه سيكون من غير المقبول إذا أبلغنا أحدٌ بأنه سيفرج عن الإيطاليين إذا أطلقنا سراح مواطنيه” متهما القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر بارتكاب سلوك “غير مقبول”. ونصب أقارب الصيادين، وبينهم إيطاليون وتونسيون، خيمة خارج مقر البرلمان لجذب الانتباه إلى قضيتهم، وشاركهم في الاعتصام عدد من نواب المعارضة من بينهم زعيم حزب الرابطة اليميني ماتيو سالفيني وزعيم حزب “أخوة إيطاليا” المعارض جورجا ميلوني. وقال دي مايو “إن دقة السياق تتطلب منا متابعة الجهد في إعادة البحارة الإيطاليين الثمانية عشر المحتجزين في ليبيا دون أي مبادرات مثيرة أو دعائية”. وتابع أن حكومته، طلبت وساطة الإمارات العربية المتحدة وروسيا مع قيادة الجيش الليبي لتحرير الصيادين الإيطاليين، لكن هذا المعطى أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية الإيطالية التي رأت فيه دليلا على فشل الحكومة في ربط علاقات وطيدة مع مختلف مراكز القرار في مستعمرتها السابقة. وتعتبر إيطاليا من الدول المنحازة لحكم الميليشيات في غرب ليبيا، والأقرب إلى وجهة نظر حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وإلى دعم التدخل التركي، والسعي إلى تحقيق مصالحها في البلاد عبر علاقاتها مع أنقرة والدوحة. كونتي قال إن حكومته طلبت وساطة الإمارات وروسيا مع الجيش الليبي لتحرير الصيادين الإيطاليين ما أثار جدلا في إيطاليا وقال المحلل الإيطالي أوجينيو بالازيني في مقال بصحيفة “البريماتو نازيونال” إن ما ورد على لسان دي مايو يمكن قراءته على النحو التالي “لم يعد لإيطاليا تأثير في تلك المنطقة، لذلك نحن مضطرون إلى مناشدة الكرملين.. نعم، ولا نقول إننا نتحدث عن جمهورية في آسيا الوسطى ولدت من رماد الاتحاد السوفييتي، وإنما عن الشاطئ الرابع”. ويرى المحلل السياسي الليبي، ناصف الفرجاني، أن وزير الخارجية الإيطالي، “يحاول توظيف قضية الصيادين المحتجزين في ليبيا، في معالجة أزمات حكومته مع المعارضة الإيطالية”، التي تتهم الحكومة بالتعاطي الخاطئ مع القضية الليبية. ويعتقد مراقبون أن محاولات روما للدفع بدور حليفة للجيش الليبي لم تثمر أية نتيجة تذكر، نظرا لطبيعة الموقف الإيطالي من الأزمة المحتدمة في مستعمرتها السابقة، وكذلك باعتبار القضية خارج السياق السياسي ومرتبطة بملف قضائي بأبعاد اجتماعية. وأكد مدير التوجيه المعنوي للجيش الليبي، اللواء خالد المحجوب، إن قضية الصيادين الإيطاليين “قانونية بحتة”، مشيرا إلى أن السلطات الأمنية تعاملت مع البحارة الإيطاليين “في الإطار القانوني، كونهم تجاوزوا المياه الإقليمية الليبية الأمر الذي يمثل مخالفة، ولذلك تم مثولهم أمام القضاء حسب القانون الليبي”. لكن وكالة «نوفا» الإيطالية نقلت عن مصدر عسكري ليبي إن دولة الإمارات تجري وساطة بين روما وقيادة الجيش للإفراج عن البحارة الإيطاليين. وقال المصدر إن “مسؤولين إماراتيين أجروا اتصالا هاتفيا مطولا مع إحدى قيادات الجيش الوطني لتنسيق تفاصيل المفاوضات وبحث سبل الإفراج عن معتقلي الجانبين بما يرضي الطرفين”. وأضاف أن المكالمة تمت “في جو إيجابي يعطي الأمل في نقطة تحول محتملة للأزمة”. ويرى مراقبون أنه في حال التأكد من هذه المعلومات فإن روما مطالبة بالخضوع لطلب الجيش بإطلاق سراح الرياضيين الليبيين القابعين خلف قضبان السجن. ويشترط الجيش للإفراج عن الصيادين الإيطاليين، أن تبادر روما بإطلاق سراح أربعة لاعبين لكرة القدم قضت محكمة إيطالية في حقهم بالسجن لمدة 30 عاما وذلك في ديسمبر 2017. وأدان القضاء الإيطالي اللاعبين الأربعة، بتهم “الاتجار في البشر والهجرة غير المشروعة”. ووفق الجانب الليبي، فإن اللاعبين المذكورين، فكروا في العام 2015 في الالتحاق بأحد النوادي الأوروبية، لكنهم فشلوا في الحصول على تأشيرات سفر، ما دفع بهم إلى التفكير في الهجرة السرية، وهو ما حدث فعلا عندما استقلوا أحد القوارب المخصصة للمهاجرين غير الشرعيين من ساحل مدينة زوارة، أقصى غرب البلاد، وما إن وصلوا إلى السواحل الإيطالية حتى تم اعتقالهم وعرضهم على القضاء. وفي سبتمبر 2018 تظاهر المئات من الأشخاص في بنغازي، حيث طلبوا من مجلس النواب والحكومة المؤقتة الإسراع بالتدخل لدى السلطات الإيطالية للإفراج عن اللاعبين الأربعة، معتبرين أن التهم الموجهة إليهم كيدية، والحكم قاس. وكانت السلطات الليبية بطرابلس قد أعلنت في مناسبات عدة، عن سعيها إلى تفعيل قانون تبادل السجناء بما يسمح لها باستعادة مواطنيها القابعين في السجون الإيطالية ومن بينهم اللاعبون الأربعة. وكشف سفير ليبيا في إيطاليا عمر الترهوني عن وجود مساع لتفعيل اتفاقية تبادل السجناء منذ سنة 2019، وذلك بناء على اتفاقية الصداقة الليبية الإيطالية، موضحا أنها مسودة وضعت خلال لجنة مشتركة بين وزارة العدل الليبية ونظيرتها الإيطالية يوم 19 يونيو 2019، تاريخ توقيع المسودة النهائية على أن يتم التوقيع النهائي على مستوى وزراء البلدين. ويرى مراقبون أن موقف الجيش الوطني الليبي يؤكد على وجود توتر في العلاقات بين شرق البلاد والحكومة الإيطالية الداعمة لحكومة الوفاق بطرابلس، مشيرين إلى أن موقف القيادة العامة يجد دعما شعبيا مهما نظرا للظروف التي غادر فيه اللاعبون الأربعة بلادهم مغامرين بحيواتهم بحثا عن منفذ أمل في أوروبا.
مشاركة :