حذر الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم (الأربعاء) من تغييرات سياسية كثيرة وعميقة تجري في المنطقة وسأل مواطنيه "عما يجب فعله"، داعيا إلى أن " لا يكون لبنان متلقيا وغير فاعل فيما نشهده، فيغدو فتات مائدة المصالح والتفاهمات الكبرى". جاء ذلك في كلمة متلفزة القاها عون قبيل الاستشارات البرلمانية يوم غد (الخميس) بعد حوالي شهر من إعلان رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة. وقال عون إن "لبنان كان ضمن منظومة كبيرة في جامعة الدول العربية وفي سياق موقف موحد فيما اليوم تغيرت مواقف الدول الأساسية في الجامعة في المواضيع الأساسية والدول الأخرى تلحق بها، وسنصبح شيئا فشيئا في عزلة، ونحن الدولة العربية الأصغر". ولفت إلى "استحقاقات كبرى يتم فيها رسم خرائط وتوقيع اتفاقيات وتنفيذ سياسات توسعية أو تقسيمية قد تغير وجه المنطقة" . وأضاف " شهدت منطقتنا تغيرات سياسية كثيرة وعميقة بفعل عوامل إقليمية ودولية، وهذه التغيرات لم تظهر كل نتائجها بعد على صعد كثيرة، وقد تقلب الأمور رأسا على عقب". وتساءل "أين نحن وأين موقع لبنان وما هي السياسات التي علينا أن ننتهجها إزاء هذه التغيرات والتفاهمات المحورية الكبرى". واشار من جهة ثانية إلى أن الفساد في بلاده أصبح منظما ومتجذرا بالسلطة ، ودعا أعضاء البرلمان عشية الاستشارات البرلمانية يوم غد لتسمية رئيس وزراء لتشكيل حكومة جديدة إلى تحمل مسؤولياتهم في "تحكيم ضميرهم الوطني " وتحمل مسئولياتهم في اختيار شخصية لرئاسة الوزراء تلتزم بمعالجة مواضع الفساد وإطلاق الإصلاحات الضرورية. وكان رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب أعلن قبل حوالي شهر اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة وسط تمسكه بمبدأ تشكيل حكومة اختصاصيين وعدم استئثار اية طائفة بأية حقيبة وزارية مقابل اصرار الثنائي الشيعي في "حركة أمل" و"حزب الله" على التمسك بوزارة المالية وتسمية الوزير الذي سيشغلها اضافة الى تسمية الوزراء الشيعة. وكان تكليف أديب جاء إثر قيام الرئيس الفرنسي بزيارتين متتاليتين إلى لبنان في أغسطس وسبتمبر الماضيين ووضعه أمام القوى السياسية مبادرة لمد يد العون لوقف الانهيار وإعادة الإعمار تشمل تشكيل حكومة تقوم بإصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية وافقت عليها جميع الأطراف. وقال عون إن "الإصلاح مجرد شعار يكرره المسؤولون والسياسيون وهم يضمرون عكسه تماما....حتى وصل بنا الأمر إلى أن أصبح الفساد في لبنان فسادا مؤسساتيا منظما بامتياز، متجذرا في سلطاتنا ومؤسساتنا وإداراتنا". وعدد عون مشاريع التغيير والإصلاح التي كان اللبنانيون ينتظرونها دون أن تتحقق، مشيرا إلى أن اقتراحات تشريعية كان تقدم بها حين كان عضوا في البرلمان لا تزال "حبيسة الأدراج". واتهم قوى سياسية دون أن يسميها بعرقلة الإصلاحات بما في ذلك إصلاح قطاع الكهرباء و"التدقيق الجنائي المالي في مصرف لبنان المركزي لمعرفة أسباب الإنهيار الحالي وتحديد المسؤولين عنه من فاعلين ومتدخلين ومشاركين". وشدد عون على أنه سيتحمل مسؤولياته "في تكليف رئيس وزراء جديد و والمشاركة في تأليف الحكومة والمضي قدما في مشاريع الإصلاح " مؤكدا أنه "سيقف بوجه كل من يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة". وتساءل "هل سيلتزم من يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح" . ويرجح أن تسفر الاستشارات البرلمانية غدا عن تكليف رئيس الوزراء السابق ورئيس "تيار المستقبل" السني سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة في الاستشارات البرلمانية علما أنه كان يترأس الحكومة التي أجبرتها الاحتجاجات التي كانت انطلقت في 17 أكتوبر 2019 احتجاجا على فرض ضرائب جديدة. وكان الحريري أعلن أنه مرشح لرئاسة الحكومة ضمن ثوابت المبادرة الفرنسية، مشيرا الى انه يعتزم تشكيل حكومة اختصاصيين تضع خلال 6 أشهر الاصلاحات على سكة التنفيذ. ويعارض "التيار الوطني الحر" الذي كان أطلقه عون في العام 2006 تسمية الحريري لرئاسة الحكومة الذي يميل غالبية النواب السنة الى تسميته مع تأييد من "حركة أمل" بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري . وأكد عون أن ما يمكنه فعله هو تنبيه المعنيين "فأنا لا يمكنني التشريع ولا التنفيذ وكل ما يمكنني فعله هو التوجيه وقمت بما علي في هذا المجال، ورغم ذلك يحملونني المسؤولية". وقال عون "لم أطالب بأي نوع من الحكومات، ولم أحدده، فالاستشارات هي التي تحدد شكل الحكومة". وأكد أن "تسمية الرئيس الجديد للحكومة يقرره أعضاء البرلمان الذين سيختارونه، وأنا لا أضع أي "فيتو" على أحد". وينص الدستور اللبناني على تسمية أعضاء البرلمان شخصية من الطائفة السنية لتتولى رئاسة الوزراء وتأليف الحكومة في ظل نظام سياسي يقوم على محاصصة يتولى بموجبها رئاسة البلاد مسيحي ماروني ورئاسة البرلمان شخصية شيعية، إضافة إلى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في البرلمان والحكومة ووظائف الفئة الاولى. يذكر أن لبنان يعاني من تدهور اقتصادي ومعيشي حاد ومن تضخم في ظل أزمة مالية صعبة تتزامن مع شح العملة الأجنبية وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وقيود على سحب الودائع من المصارف وسط توقف البلاد في مطلع العام عن سداد الديون الخارجية والداخلية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين الذي يتجاوز 92 مليار دولار. وقد ادى هذا الوضع وسط تفاقم نداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) إلى إقفال عدد كبير من المؤسسات وتسريح عشرات آلاف العاملين وتصاعد البطالة وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تتجاوز 80 في المئة.
مشاركة :