لم تكن اللُحمة الوطنية يوماً محصورة بحدود منطقة إدارية، أو تضاريس طبيعية تحول دون استشعار بقية الوطن لمصاب أحد أطرافه. لذا لم يكن الغضب من الاعتداء الإرهابي على مسجد قوات الطوارئ في أقصى جنوب البلاد أقل حِدة كلما ابتعدنا جغرافياً عن موقع الجريمة، ولم يكن الحزن على شهدائه ومصابيه بأخف وطأة في شمال خارطة البلاد من جنوبها. فمع كل حادثة يزداد أبناء الوطن تكاتفاً والتصاقاً، بقدر ما يزداد تنظيم "داعش" جنوناً ووحشية. وهو من يريد تفتيت البلاد وتقسيم أطرافها ليسهل ابتلاعها وفرض أجندته على أراضيها، لكنه يدرك أنه لن يتحقق له ذلك ونحن على قلب رجل واحد. فتمدد هذا التنظيم البربري في مناطق النزاع الساخنة حالياً، لم يكن ليتأتى إلا بزرع الشقاق بين مواطنيها على طريقة "فرّق تسُد"، ولولاه لم تكن دولهم لتتحول إلى "كانتونات" يسهل السيطرة عليها. ولأننا وقفنا أمام كل ما يهدد أمن بلادنا كالبنيان المرصوص، فشل "داعش" في زرع الفتنة بين أطياف مجتمعنا. فعندما حاول استغلال الطائفية مستهدفاً دور عبادة الشيعة، استنكر الجميع ذلك الفعل المشين وأولهم السنّة، ما اضطره للكشف عن سوءته أكثر باستهداف مسجد للسنة، وهو من كان يسوّق لنفسه على أنه تنظيم ديني سنّي، ليثبت لمن لدية بقية شك حقيقة أنه تنظيم يستغل الدين لتحقيق مآربه السياسية. بجرائمه وتفجيراته تأكد أن "داعش" يستهدف الجميع بلا استثناء، فأحزمة أتباعه الناسفة طالت مساجد السنة كما فعلت من قبل في مساجد الشيعة، وأيديهم تلطخت بدماء السنة أكثر من دماء الشيعة، هو تنظيم هدفه التمدد كما هو شعاره الذي يردده مريدوه غير آبه لمرجعية ضحاياه. أياً ما يفعله خوارج العصر من اعتداء على هذه الأرض الطاهرة، فلن يزيدنا إلا وحدة وإصراراً على نزع هذه البذرة الفاسدة التي لا تمت لديننا بصلة. هو امتحان سنتجاوزه معاً كما فعلنا مع تنظيم القاعدة من قبل. حمى الله البلاد والعباد من كل مكروه.
مشاركة :