بابلو بيكاسو.. المنذور للفن واللون الأزرق

  • 10/25/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بابلو بيكاسو محظوظ كطفل؛ حيث توفر له من يربي الفنان فيه، أو بالأحرى من يعثر فيه على روح الفنان؛ حيث كان والده فنانًا هو الآخر، والتفت إلى موهبة ولده منذ الصغر. لكن مَن، بحق الله، قادر على التحرر من هذا الرجل ومن أعماله الفنية؟! إن الواقع، هنا في عوالم بيكاسو، يُعاد صوغه من جديد، ما حاجتنا نحن بالواقع إن لم نصنعه على هوانا أو على الأقل إن لم نعبّر عنه بطريقتنا الخاصة؟! هذا بالضبط أحد أبرز الأسباب التي تدفعنا إلى الانغماس حد الأذنين في هذه العوالم كثيرة الإبهام، شديدة الغموض. والتنوع الأسلوبي _الذي اتسمت به أعمال بيكاسو حتى آخر سنيّ حياته_ هو ما يجعله قادرًا على التعبير عنك في الكثير من حالاتك النفسية المختلفة، كما أنه هو التنوع ذاته الذي أرهق منافسيه؛ لم يستطع أحد أن يجاري هذا الرجل أبدًا، حتى وإن قام بعض النقاد، في وقت متأخر، بإعادة فحص أسطورة بابلو بيكاسو وفق بعض المعايير، لكن الثابت أن بيكاسو كان ولم يزل علامة فارقة في تاريخ الفن، يصعب تجاوزها أو تخطيها بسهولة. اقرأ أيضًا: فاطمة النمر لـ “رواد الأعمال”: نقدّر دعم المملكة للفن ونفتخر بانتمائنا لهذا الوطنالتكعيبية واللون الأزرق هل يمكن القول إن بابلو بيكاسو كان تكعيبيًا؟ الصواب أنه كان كذلك وأكثر، والأكثر صوابًا أنه كان فوق التصنيفات الفنية المدرسية المألوفة، ليس فقط لكونه فنانًا عظيمًا فحسب، وإنما لأنه انتمى _وإن بشكل غير مباشر/ صريح_ إلى العديد من المدارس والاتجاهات الفنية مثل السريالية مثلًا، التي أعلن مؤسسها أندريه بريتون عن أن بيكاسو أحد أعضائها، إلا أن هو نفسه لم يعلن ذلك صراحة، وإن كانت هذه الحركة الفنية أمدته بموضوعات جديدة. وبعيدًا عن هذا، فإن التكعيبية هي بمثابة اكتساب عين جديدة لترى بها العالم، ولعل هذا ما قصده كانفايلر حين رأى أن التكعيبية تدل على انفتاح الشكل المغلق؛ من خلال “إعادة عرض” شكل الأشياء، ووضعها في الفضاء بدلًا من تقليدها من خلال الوسائل الوهمية. والعملية التحليلية لتكسير الأجسام والفضاء والضوء والظل وحتى اللون شبّهها أبولينير بالطريقة التي يشرح بها الجرّاح الجثة. هذا النوع من التحليل هو سمة مميزة لعمل بيكاسو. ما يفعله هذا الفنان هو، إذًا، وضع جسد الموضوع الفني على منضدة اللوحة ويقوم بتشريحه. ماذا يفيدك تصوير الواقع كما هو؟ ألست قادرًا بنفسك على رؤية هذا الواقع كما هو؟! إن دور الفنان _كما هو دور السيولوجي من دون الدخول في مقارنة بينهما_ هو إخراج المطمور ووضعه تحت أشعة الشمس، وإظهاره للعلن. ويكفيك لكي تفهم تحليلنا هنا أن تقف أمام لوحة Les Demoiselles d Avignon التي دشن بها بابلو بيكاسو، عام 1907م، حركة فنية جديدة هي التكعيبية والتي سيلهم بأسلوبه فيها الكثير من الفنانين فيما بعد. أتت هذه اللوحة على خلاف كل ما سبق، حتى إنها كانت مختلفة عن أعمال بيكاسو السابقة نفسه، وهي عبارة عن تصوير تقشعر له الأبدان لخمس نساءٍ عاريات محوّرة بطريقة هندسية، وأشكال حادة وبقع قاسية من درجات الأزرق والأخضر والرمادي. أما اللون الأزرق _أو المرحلة الزرقاء كما يطلق عليها مؤرخو الفن المهتمون بنمذجة وتصنيف أعمال بيكاسو_ فكان غلب على أعمال هذا الفنان خلال عدة سنوات، ولئن كنا ألمحنا إلى أن بابلو بيكاسو كان محظوظًا ولكنه كان كذلك كطفل فقط، أما كرجل فإنه ذاق العذاب صنوفًا وألوانًا، وكانت هذه «المرحلة الزرقاء» هي التعبير الأمثل عن معاناته في تلك الفترة. ليس هذا فحسب، بل يمكن القول إن هذا اللون الأزرق كان هو النمط الأسلوبي الأساسي في أعمال بابلو بيكاسو، وأن كل الأعمال التي أتت في مراحل سابقة أو لاحقة لم تكن إلا تنويعًا لهذه الثيمة اللونية، أو أنها، في بعض الأحوال، كانت مرحلة مؤقتة ما تفتأ أن تولي هاربة. وتأمل الكاتب والناقد الرمزي تشالز موريس في المرحلة الزرقاء وسأل: «هل قُدر لهذا الطفل السابق لأوانه أن يذوق العناء ليرسم تحفًا عن الشعور السلبي للحياة والمرض الذي يبدو أنه يعاني بسببه أكثر من أي شخصٍ أخر». واحتفاءً بذكرى ميلاد بيكاسو يقدم «رواد الأعمال» تعريفًا موجزًا عن أعماله وحياته وذلك على النحو التالي. اقرأ أيضًا: مريم الشملاوي: الفن السعودي يشهد دعمًا غير مسبوق وعلى أعلى مستوىسيرة فنان وُلد بابلو بيكاسو عام 1881 بمدينة مالقة في جنوب إسبانيا لأسرة متوسطة الحال، وكان بابلو هو الطفل الأول فيها، كانت أمه تدعى ماريا بيكاسو (وهو الاسم الذي اشتهر به بابلو فيما بعد)، أما والده فهو الفنان خوسيه رويث الذي كان يعمل أستاذًا للرسم والتصوير في إحدى مدارس الرسم، كان أمينًا للمتحف المحلي، وتخصص في رسم الطيور والطبيعة، وكان أجداد رويث من الطبقة الأرستقراطية إلى حد ما. أظهر الطفل بيكاسو شغفه ومهارته في الرسم منذ سن مبكرة، في السابعة من عمره تلقى تدريبًا رسميًا في الرسم والتصوير الزيتي على يد والده، وكان رويز فنانًا تقليديًا وأستاذًا أكاديميًا؛ ما جعله يعتقد أن التدريب المثالي يعتمد على النسخ المنضبط، ورسم أجساد بشرية من نماذج حية. وفي عام 1891 انتقلت العائلة إلى لا كورونيا؛ حيث أصبح الأب أستاذًا بكلية الفنون الجميلة، ومكثوا هناك أربعة أعوام تقريبًا. وفى عام 1895 تعرض بابلو لصدمة شديدة بعد وفاة شقيقته الصغرى ذات السبع سنوات بعد إصابتها بمرض الدفتيريا، وبعد وفاتها انتقلت العائلة مرة أخرى إلى برشلونة؛ حيث عمل الأب هناك أستاذًا بأكاديمية الفنون الجميلة، وبدأ بابلو بيكاسو في الازدهار من جديد وإن لم ينس حزنه وحنينه. قام والده بتأجير حجرة صغيره له بجوار المنزل ليستطيع بيكاسو العمل فيها بمفرده، كما كان والده يقوم بزيارته عدة مرات في اليوم وتفحّص رسوماته، ومناقشته حول بعض الأمور أحيانًا. بعدها قرر والده وعمه إرساله إلى أكاديمية مدريد الملكية في سان فيرناندو، وهي أهم أكاديمية للرسم في البلاد. في السادسة عشرة من عمره بدأ بيكاسو في المكوث في المدينة على نفقته للمرة الأولى، إلا أنه وبعد تسجيله في الأكاديمية بدأ يكره النظام الرسمي في التعليم وشرع في ترك المحاضرات. أُعجب خاصةً بأعمال الفنان إل غريكو؛ حيث الألوان اللافتة، والأطراف الممدودة، والملامح الغامضة، والتي تأثر بها بيكاسو وظهرت في أعماله فيما بعده. رحل إلى باريس، عاصمة الفن في أوروبا، وهناك قابل للمرة الأولى صديقه الفرنسي الشاعر والصحفي ماكس جاكوب؛ والذي ساعد بيكاسو في تعلم اللغة الفرنسية والأدب الفرنسي. في عام 1901 عاد بيكاسو للعيش مرة أخرى في مدريد؛ حيث قام هو وصديقه الفوضوىّ فرانشيسكو سولير بتأسيس مجلة “يانج آرت” والتي نشرت خمسة أعداد، كان سولير يكتب المقالات فيها بينما ساهم بيكاسو بالرسوم، وأغلبها كان الكاريكاتير الذي صوّر بيكاسو من خلاله معاناة الفقراء. صدر العدد الأول من هذه المجلة في 31 مارس 1901، وهو الوقت الذي بدأ فيه بابلو بيكاسو بالتوقيع باسم “بيكاسو” بعد أن ظل طوال سنواته السابقة يوقع على أعماله مستخدمًا اسم “بابلو رويث بيكاسو”. التقى بابلو بيكاسو في عام 1905م بهنرى ماتيس؛ والذي أصبح فيما بعد صديقه مدى الحياة وكذلك منافسه. وتعرف في باريس، في حى مونمارتر وحى مونبارناس، على العديد من الأصدقاء البارزين والذين كان من بينهم الكاتب والشاعر أندريه بريتون؛ والشاعر غيوم أبولينير؛ والكاتب ألفريد جارى والثلاثة من الفرنسيين. في عام 1907 شارك بيكاسو في أحد المعارض الذي اُقتتح في باريس على يد دانيال هنرى كانفيلير؛ وكان كانفيلير مؤرخًا ألمانيًا وجامعًا للوحات والذي أصبح فيما بعد واحدًا من أبرز المتعاملين في بيع اللوحات بفرنسا خلال القرن العشرين، كما كان من أول أنصار المدرسة التكعيبية التي تبناها بابلو بيكاسو وجورج براك. وفي صيف عام 1918 تزوج بيكاسو من أولجا خوخلوفا؛ وهى راقصة باليه روسية-أوكرانية في فرقة سيرجي والتي كان بيكاسو يصمم لهم لوحات الرقصات في روما. وخلال الفترة من 1935 وحتى 1959 كتب بيكاسو أكثر من 300 قصيدة، وكانت هذه الأعمال غير معنونة باستثناء بعض التواريخ وأماكن الكتابة أحيانًا، وكانت هذه الأعمال ذوقية ومثيرة إلى حد كبير، مثل مسرحيتيه “الرغبة التي أشعلها الذنب” عام 1941، و”الفتيات الصغيرات الأربع” عام 1949. بالإضافة إلى إنجازاته الفنية، كان له ظهور بسيط في بعض الأفلام التي كان يظهر فيها كبيكاسو نفسه، منها “وصية أورفيوس” للمخرج الفرنسي جان كوكتو عام 1960، كما ساعد في فيلم “لغز بيكاسو” عام 1956 للمخرج هنري جورج كلوزو. توفي بيكاسو في 8 أبريل عام 1973 في موجان بفرنسا أثناء عشائه مع زوجته جاكلين وبعض أصدقائهما، ودُفن في شاتو بالقرب من مقاطعة أيكس إن. وفي الذكرى المئوية لميلاده في 1981، استحدثت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” جائزة “ميدالية بيكاسو” لتُمنح إلى الشخصيات البارزة في عالم الفن والثقافة. اقرأ أيضًا: رواد الفن التشكيلي في العالم.. الشهرة والتقييم فاطمة النمر لـ”رواد الأعمال”: اللوحات وسيلة تخاطب بين الفنان والمتلقي عواطف آل صفوان لـ”رواد الأعمال”: الإنسان في مختلف حالاته هو محور أعمالي

مشاركة :