تباينت ردود فعل السودانيين على تطبيع العلاقات بين بلدهم وإسرائيل، بين من يرى أنه "خيانة" ومن يؤمن بأنه سيمهّد لـ"ازدهار اقتصادي". وأكدت الخرطوم الجمعة تطبيع علاقاتها مع اسرائيل و"إنهاء حالة العداء بينهما"، وفق ما جاء في بيان ثلاثي صادر عن السودان والولايات المتحدة وإسرائيل نقله التلفزيون الرسمي السوداني، ووُصف الاتفاق بأنه "تاريخي". وجاء في البيان الثلاثي "اتفق القادة على تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل وإنهاء حالة العداء بينهما... وبدء العلاقات الاقتصادية والتجارية". وأثار الاعلان انقسامات بين القوى السياسية في السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية صعبة منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في نيسان/أبريل 2019 في أعقاب احتجاجات حاشدة ضد حكمه الذي دام ثلاثة عقود. وعبر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي أكبر حزب في تحالف الحرية والتغيير الذي تشكلت منه الحكومة الانتقالية، عن رفضه للخطوة. وانسحب من مؤتمر نظمته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف يتناول قضايا التطرف والتجديد في الإسلام وهو الأول من نوعه في عهد الحكومة الحالية. وقال المهدي في بيان "أعلن انسحابي من المشاركة في هذا المؤتمر تعبيراً عن رفض بيان شارك فيه ممثلون لأجهزة السلطة الانتقالية مع رئيس أميركي منتهية ولايته يوم 3 (تشرين الثاني) نوفمبر القادم، وهو يجسد العنصرية ضد الأمة الإسلامية والعنصرية ضد الأمة السوداء ورئيس دولة الفصل العنصري المتحدي للقرارات الدولية والمخالف للقانون الدولي بضم أراضٍ محتلة". وأتت خطوة المهدي في حين لم يصدر أي تعليق رسمي من التحالف الذي يضم أحزاباً ومنظمات المجتمع المدني وروابط واتحادات مهنية وحركات مسلحة. من جانبه، اعتبر مبارك الفاضل المهدي السياسي المنشق عن حزب الأمة، أن التطبيع "انتصار للشعب السوداني بعدما عانى فترة طويلة من العزلة عن العالم، 27 عاماً عزلته عن التكنولوجيا ... إنه اتفاق تاريخي يُخرج السودان من عنق الزجاجة". واعلنت وزارة الخارجية السودانية الاحد أن اجتماعا مشتركا بين السودان واسرائيل سيعقد في "الاسابيع المقبلة" لبحث أفق التعاون. وقالت الخارجية السودانية في بيان أنّه تم "الاتفاق على أن يجتمع وفدان من البلدين في الاسابيع المقبلة للتفاوض حول ابرام اتفاقيات للتعاون في مجالات الزراعة والتجارة والاقتصاد والطيران ومواضيع الهجرة وغيرها". وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على تويتر الأحد "نتطلع إلى سلام يسوده دفء (في العلاقات) وسنرسل قمحا بقيمة خمسة ملايين دولار فورا إلى أصدقائنا الجدد في السودان". وأضاف أن الدولة العبرية "ستعمل عن قرب مع الولايات المتحدة للمساعدة في المرحلة الانتقالية في السودان". - "خيانة" أم "ازدهار" - واعتبر عثمان ميرغني المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية، أن الاتفاق يفتح الباب أمام الاقتصاد السوداني. وقال ميرغني لفرانس برس "كانت الحكومة تتوقع ارتباط إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب باتفاق التطبيع وأصرّت عليه حتى وإن كان ذلك عبر تل أبيب لفتح باب للاقتصاد السوداني مع المجتمع الدولي وخاصة مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي". أما عيد عبد المنعم الذي يدير شركة تعمل في مجال التحويلات المالية، فقال بلهجة قاطعة إن السودان لا يحتاج للتطبيع مع اسرائيل. ورأى أن "التطبيع مسألة أمن قومي وليس من حق أي جهة إبرام اتفاق معها دون الرجوع إلى الشعب ونحن لا نحتاج لاسرائيل... بلادنا غنية بمواردها". وبلهجة حادة قالت سميه عبد الرحيم الموظفة السودانية "التطبيع خيانة للعقيدة الاسلامية... كيف نضع ايدينا مع من يحتل بيت المقدس". ويعارض التطبيع أيضا مجمع الفقه الإسلامي أعلى سلطة دينية إسلامية في البلاد. وقال الأمين العام للمجمع عادل حسن حمزة لوكالة فرانس برس "بحضور 40 عضوا من أعضاء المجمع البالغ عددهم 50 أصدرنا فتوى بعدم جواز التطبيع مع اسرائيل لأنها دولة محتلة للأراضي الفلسطينية ... أعتقد أن الحكومة ستلتزم بهذه الفتوى". إلا أن مصطفى سليمان الذي يعمل بالتجارة يؤمن بأن للسودان مصلحة في التطبيع لأنه سيقود إلى "الازدهار الاقتصادي"، دون مزيد من التوضيح. وكان رجل الأعمال السوداني أبو القاسم برطم أعلن في مقابلة مع فرانس برس الأسبوع الماضي عزمه على تنظيم رحلة تضم 40 سودانياً لزيارة إسرائيل لمدة خمسة أيام. وفي استطلاع للرأي أعده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، ونشرت نتائجه مطلع الشهر الحالي، أيد 13% من السودانيين فقط إقامة علاقات دبلوماسية بين السودان واسرائيل فيما عارض هذه الخطوة 79%. - "وقود جديد للمعارضة" - ويقول جوناس هورنر، من مجموعة الأزمات الدولية (اي سي جي) "التطبيع سيضيف وقودًا جديدًا للمعارضة الحالية للحكومة الانتقالية من مؤيدي الحكومة السابقة، والذين قد يرون مصالح متداخلة مع الجماعات الإسلامية في البلاد". وأضاف أن "رئيس الوزراء السوداني سيجد صعوبة في السعي لتحقيق توافق وتجنب خلق انقسامات أعمق خلال هذه الفترة الانتقالية الهشة". ورأي محمد حيدر القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي، أحد أعضاء تحالف الحرية والتغيير، أن الوثيقة الدستورية لا تتيح للحكومة الانتقالية اتخاذ خطوة التطبيع. إلا أن الوثيقة الدستورية التي وقعها العسكريون مع المدنيين في آب/أغسطس 2019 وبموجبها تشكلت الحكومة الانتقالية لا تستثني إسرائيل في المادة الخاصة بالعلاقات الخارجية. ونقل موقع وكالة الأنباء السودانية (سونا) عن وزير العدل نصر الدين عبد الباري أن "الوثيقة الدستورية لا تضع قيوداً غير المصلحة والاستقلالية والتوازن في ممارسة الحكومة لسلطة وضع وإدارة السياسة الخارجية، ولا تمنع إقامة علاقات مع إسرائيل". وأوضح أن "اتفاق التطبيع يجب إجازته من الهيئة التشريعية أو مجلسي الوزراء والسيادة في اجتماع مشترك في حال عدم قيام الهيئة التشريعية عندما يتم التوقيع على اتفاق التطبيع النهائي". في السياق التاريخي، وبعد حرب حزيران/يونيو 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة على وجه الخصوص، اجتمع معظم القادة العرب في الخرطوم لتبني "اللاءات الثلاث": لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل. وقال الصادق المهدي إن بيان الاتفاق "يناقض القانون الوطني السوداني، والالتزام القومي العربي". وأضاف "قانون مقاطعة اسرائيل لسنة 1967 مازال ساريا وسأطلب من محامي حزب الامة تحريك الاجراءات القانونية ضد من يقوم بالخطوة".
مشاركة :