منيرة، نورة، نور، منير.. شائعة هي الأسماء المقتبسة من النور، ذلك أن النور طمأنينة وبهجة، والظلام مجهول والإنسان يخشى ما لا يعرف، لذلك يكثر في البشر والأطفال خصوصاً الخوف من الظلام؛ لأنه خوف ليس من شيء محسوس بل مخيلتك تصنعه، فإذا خشيتَ أسداً أو قاطع طريق فهذه أمور ملموسة تُرى في الواقع ولها أجسام وصفات، لكن مجهولية الظلام تجعله أقوى، فالعقل يصنع عدداً لا نهائياً من المخاوف، لا يحدّه إلا مخيلتك! في الظلام فإن الذي يخاف السباع سيصنع له خياله لبؤة كامنة، والذي يتوجس من البشر سيتخيل مسلحاً متربصاً، والتي تشاهد أفلام الرعب ستتخيل الأشرار الخياليين مثل مايكل مايرز أو فريدي كروغر مهما كانوا غير واقعيين، عالم يتفنن العقل في صنعه. من القصص القليلة التي طرقت هذا الموضوع بشكل جديد وذكي «باتمان»، فالظلام صديقه، وهو يخاف الوطاويط منذ الطفولة فأرغم نفسه على اعتيادها حتى استخدمها أحيانا كسلاح ضد الأشرار، ويرجع بعد صولاته ضد المجرمين إلى قصرٍ شبه مظلم وكهفٍ مظلم، ومعروف أن أشهر أعدائه هو الجوكر، لكن أكثر شرير يعجبني هو Scarecrow، ليس لديه قدرات خارقة ولا مال كثير ولا جنون الجوكر اللامع، لكن لديه أعظم سلاح يمكن أن يُستخدم ضدك: عقلك. يرش عقاراً مهلوساً يحبس المرء في عقله ويملؤه بأخوف خيالاته، فمن كان كابوسه الحشرات يراها وقد أحاطت به وتسلقت عليه، من يهاب المرتفعات يصرخ برعب وهو يرى نفسه يسقط من أماكن عالية، سلاح عبقري في شره! في التراث البشري ارتبط النور دائما بالخير، فالعلم نور، وهناك عصر التنوير الأوروبي، وتشبيه الله نوره بنور مصباح زيت الزيتون في سورة النور، كلها تُظهِر استقرار فكرة خيرية النور على الظلام، فيه تُكشف الحجب وتتبدد المجهولات وتتبخر الكائنات الشريرة الخيالية التي صنعها العقل، أخيراً ترى أنه لم يكن هناك شيء، وأن عقلك صنع أشباحاً، فتضحك على مبالغاته، حتى يحل الظلام من جديد!
مشاركة :