يغلب الإرهاق ثلاث شابات فلسطينيات أثناء نثرهن حبوب البازلاء داخل أرض زراعية قمن باستئجارها جنوب قطاع غزة بمحاذاة السياج الفاصل مع إسرائيل. وجاءت تجربة خوض الشابات الفلسطينيات العمل في الزراعة في خروج عن المألوف لأمثالهن في غزة بعد فشلهن في الحصول على فرصة عمل حكومية أو في مؤسسات بعد أشهر على تخرجهن من الجامعات. وتخرجت أسيل النجار (26 عاما) من كلية التعليم الأساسي، بينما غيداء قديح (24 عاما)، من تخصص تجارة أنجليزي، أما ندين أبو روك (23 عاما)، من علوم مالية ومصرفية. وتقول النجار بينما تغرس الحبوب في الأرض لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن العمل في مجال الزراعة جاء بعد استنفادها كافة الخيارات للحصول على وظائف تعود علينا بالدخل المادي. وتوضح بينما الإعياء يغلب على وجهها بفعل العمل تحت أشعة الشمس لساعات طويلة، أن "كافة السبل تقطعت بنا من أجل إيجاد فرصة عمل دائمة أو مؤقتة (عقد بطالة) للإنفاق على أنفسنا ومساعدة عوائلنا في مصاريف الحياة الصعبة". وقالت إن "المشروع استغرق بعض الوقت من دراسة واستشارة أصحاب الخبرة حتى رأى نور قبل أيام، مشيرة إلى أن مهنة الزراعة الأنسب لارتباطها بالأرض والأجداد". وتبلغ مساحة الأرض التي تم استئجارها من قبل الشابات الثلاث لتنفيذ مشروعهن 3 دونمات مع بداية الشهر الجاري وجرى زراعتها بمحصول البازلاء، علما أنها لا تبعد سوى 500 متر فقط عن السياج الفاصل شرق خانيونس ما يقلل تكلفة الإيجار سنويا. وتقول النجار، إن زراعة البازلاء جاء بعد استشارة أصحاب الخبرة كون المحصول يأخذ وقتا أقل عن باقي المحاصيل الأخرى. وتشير إلى أن المشروع بلغت تكلفته 2000 دولار أمريكي "لم يتم دفع أي مبلغ منه بسبب عدم امتلاك الأموال وننتظر حصاد المحصول من أجل سداد الديون لأصحابها في البداية". وترى أن كل بداية صعبة خاصة في قطاع غزة الذي يعيش ظروفا استثنائية عن أي مكان في العالم، معربة عن أملها أن ينجح المشروع ويعود بالنفع المالي عليها وعلى صديقاتها. وتدعو النجار السلطات الحكومية في غزة للالتفات إلى "حال الخريجات العاطلات عن العمل وتوجهن إلى مهن شاقة عليهن بسبب ظروف الحياة الصعبة في القطاع". ويعاني قطاع غزة من أزمات عديدة على رأسها ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 46 في المائة خلال الربع الأول من عام 2020 والتي تعتبر الأعلى عالميا بحسب إحصائيات فلسطينية. وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20 إلى 29 عاما الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في القطاع لتصل إلى 72 في المائة. كما ارتفع معدل الفقر بين سكان قطاع غزة وفقا لأنماط الاستهلاك الحقيقية ليصل إلى 53 في المائة، وبلغ معدل الفقر المدقع 33.8 في المائة وفق أخر إحصائيات رسمية صادرة من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وعلى مقربة من النجار بدا التفاؤل واضح على وجه صديقتها الشابة غيداء قديح بتحقيق نجاح كبير في المشروع في ظل الدعم العائلي والمجتمعي لهن. وتقول بينما تشير بيديها إلى ما تم انجازه داخل الأرض من مد شبكات المياه لـ ((شينخوا))، إنهن حظين بمساعدة من الجيران بسبب قلة خبرتهن في مجال الزراعة. وتشير قديح إلى أنها كانت تحلم بمهنة تجلسها على مكتب بعد عناء 4 أعوام من الدراسة الجامعية، وتؤكد أن "عمل الفتاة في الزراعة أمر مش بسيط لا علينا ولا على عائلاتنا". لكنها تشدد على أنه "رغم التعب والإرهاق الجسدي نتيجة ساعات العمل الطويلة داخل الأرض، إلا أنه ينتابنا فرحة وراحة نفسية بعد أن أرهقتنا أشهر طويلة في البحث عن فرصة عمل". وتتأمل قديح من المؤسسات الزراعية العاملة في القطاع بدعم مشروعهن ومساعدتهن في كافة احتياجهن، داعية الخريجين الشباب العاطلين عن العمل في غزة إلى البحث في مجالات عمل خارج التخصص من أجل تأمين مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم. في الوقت ذاته تبقي المخاوف تنتاب الشابات الثلاث من احتمال تعرض أرضهن الزراعية إلى عملية تجريف إسرائيلية كونها لا تبعد كثيرا عن السياج الفاصل وعادة ما يجري عمليات توغل وتجريف في المناطق الحدودية. وتفرض إسرائيل منطقة أمنية عازلة بعمق 300 متر على طول المنطقة الحدودية أقصى شرق قطاع غزة ما يجعل الوصول إلى المناطق الزراعية في تلك المناطق أشبه بمن يحمل كفنه في يديه. وتبرر إسرائيل فرض المنطقة العازلة بمنع الفصائل الفلسطينية المسلحة من شن هجمات عدائية انطلاقا من قطاع غزة. وتأمل الشابات الثلاث إلى أن يكون مشروعهن منصة لإيجاد فرص عمل مماثلة لنظرائهن لاسيما في المناطق السكنية النائية التي تعاني من تهميش حكومي وأهلي.
مشاركة :