ما أن تطأ الفتاة هالة أيوب قدميها داخل مركز لتدريب الملاكمة في مدينة غزة، تستبدل ملابسها على عجل وترتدي زيها الرياضي والقفازات الجلدية في يديها لبدء حصتها التدريبية. وبشكل متسارع وبنظرات محكمة تسدد هالة أيوب (17 عاما) التي أحبت رياضة الملاكمة لكماتها واحدة بعد أخرى على "كيس الملاكمة" المصنوع من الجلد المقوى ويحتوي بداخله على حشوة، والتي تعتبر أساسية في تحسين عملية اللكم الموضوع داخل المركز. وتقول هالة أيوب بينما انتهت للتو من حصتها التدريبية التي استمرت قرابة نحو ساعة من الزمن لـ((شينخوا)) "سعيدة للغاية بممارسة رياضة الملاكمة التي من خلالها استطيع تمثيل بلدي فلسطين في أي منافسات عربية أو دولية قادمة". وبالنسبة للفتاة المراهقة التي انضمت للمركز قبل عدة أشهر، فإن رياضة الملاكمة ساعدتها كثيرا، حيث حولت شخصيتها من فتاة ضعيفة كانت تخشى كل شيء حولها إلى شخصية أقوى تتمتع بثقة أكبر بالنفس. وتضيف هالة أيوب التي تلقى تشجيع من قبل عائلتها لممارستها رياضة الملاكمة رغم أنها أقرب للرجال، إلا أن "توجهها للعب رياضة الملاكمة الخشنة تم بعد مشاهدة مقاطع فيديو عبر الإنترنت مع مجموعة من صديقاتها". وتتابع أنها "أقنعت ومجموعة من صديقاتها عائلاتهن لممارسة تلك الرياضة والجانب الإيجابي فيها من خلال الدفاع عن النفس وتعزيز الثقة لدى الفتيات ما أدى لموافقتهن على التحاقنا بالمركز". وعلى مقربة من هالة أيوب تقف الطفلة جودي النمر، التي انضمت للمركز قبل 3 شهور في محاولة للتخلص من مخاوفها الداخلية الناجمة عن الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع، بما في ذلك أصدقائها في المدرسة. وتقول جودي النمر (10 أعوام) لـ ((شينخوا)) صاحبة اليدين الصغيرتين بينما ترتدي قفازات الملاكمة فيهما "جئت إلى هنا لأعرف كيف يمكنني التغلب على المخاوف التي تنتابني ومحاربة الأشخاص الذين قد يؤذونني في مكان ما"، مشيرة إلى أنها "طوال الوقت تشعر بتعرضها لتهديدات من أشخاص غرباء". وعندما أخبرت أصدقائها بأنها تمارس رياضة الملاكمة، اعتقدوا أنني لا أملك الجرأة على القيام بها كما وصفوها بأنها "رياضة مخزية للفتيات"، مشيرة إلى أنها ستثبت لهم أن أفكارهم النمطية مخطئون فيها يوم من الأيام ، بحسب ما تقول. وتلتحق هالة أيوب وجودي النمر بالمركز الفلسطيني للملاكمة للإناث وهو أول مركز ملاكمة للفتيات أنشأ في القطاع الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة وتسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ صيف 2007. ويضم المركز عشرات الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين (8 أعوام إلى 29 عاما)، حيث يتلقين تدريبات يومية مدة كل حصة تدريبية 1.5 ساعة، بحسب أسامة أيوب المؤسس المشارك للمركز ومدرب الملاكمة فيه. ويقول أسامة أيوب لـ ((شينخوا)) بينما يراقب طالباته خلال تأديتهن حركات إحمائية داخل حلبة الملاكمة، إن فكرة إنشاء أول فريق كانت قبل 6 أعوام عندما شاركت في بطولة أقيمت في الجزائر ورأيت الأعمال الرائعة الصادرة عن فتيات من مختلف الأعمار. وبمجرد وصول أسامة أيوب إلى القطاع الذي يخضع لحصار إسرائيلي مشدد منذ 15 عاما، أخبر أصدقائه وزملائه بفكرته، لكنهم جميعا أبدوا قلقهم لأنها ستواجه العديد من التحديات أبرزها سكان القطاع المحافظ. ورغم ذلك لم يتخل المدرب (39 عاما) عن حلمه وبدأ في تدريب مجموعة من الفتيات في عام 2017، حيث استدان بعض الأموال من قبل جيرانه وبدأ دروسه التدريبية بخمس فتيات فقط. ويشرح أسامة أيوب أن العديد من الفتيات غيرن أفكارهن حول رياضة الملاكمة للإناث، خاصة عندما لاحظن الآثار الإيجابية على الحالة النفسية التي تعود عليهن بفعل تلك الرياضة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها القطاع. ويقول المدرب "لسوء الحظ تجبر تقاليد مجتمعنا الإناث على الابتعاد عن العديد من أنواع الرياضة بحجة أنها مقصورة على الرجال فقط، لكن الحقيقة تقول إن الرجال والنساء متساوون في حقوقهم الإنسانية دون أي استثناءات". وبينما بدت الابتسامة ظاهرة على وجهه يوضح "الآن، أشعر أنني حقا حققت هدفي عندما زرعت البذرة الأولى لرياضة الملاكمة للإناث في غزة، والتي ستكون عادة في مجتمعي يوما ما". ومع ذلك، فإن السكان المحليين في القطاع الساحلي منقسمون حول رياضة الملاكمة للإناث في المنطقة، حيث يقبل البعض الثقافة الرياضية الجديدة القائمة على الرياضة للجميع، بينما يفضل البعض الآخر إبقاء النساء والفتيات في صورهن النمطية التقليدية. ويقول محمد الجرو وهو في الثلاثينيات من عمره مقيم في غزة، لـ ((شينخوا)) "نحن نتجه إلى عام 2023، لذلك من الطبيعي أن تمارس الفتيات والنساء أي نوع من أنواع الرياضة طالما أنهن لا ينتهكن كيانهن الأنثوي". لكن إبراهيم حسن، وهو شاب في العشرينات من عمره من مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، يتبنى موقفا مختلفا، حيث قال لـ ((شينخوا)) "لا استطيع أن أتخيل أن أتزوج من امرأة تلعب الملاكمة (...) إذا طلبت منها تحضير كوب شاي ولم تفعل ذلك تقوم بلكمي".
مشاركة :