إنا كفيناك المستهزئين

  • 10/29/2020
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لكل أصحاب معتقد رموز ومقدسات لا يُقرُّون المساس بها، ولا يمكن أن تستفز مشاعرهم بأكثر من التعرض لها، وبالنسبة إلينا معاشر المسلمين فجناب المصطفى صلى الله عليه وسلم من صميم المقدسات عندنا، فالشهادة له بالرسالة جزء من أركان الإسلام... تختلف معتقدات الناس ودياناتهم؛ لحكمة أرادها الله تعالى، ومع هذا الاختلاف فلكُلِّ أصحاب معتقد رموز ومقدسات لا يُقرُّون المساس بها، ولا يمكن أن تستفز مشاعرهم بأكثر من التعرض لها، وبالنسبة إلينا معاشر المسلمين فجناب المصطفى صلى الله عليه وسلم من صميم المقدسات عندنا، فالشهادة له بالرسالة جزء من أركان الإسلام، وقد تكرر نشرُ رسوم مُسيئة إلى جنابِهِ المعظم، ويتذرّع الفاعلون بحرية التعبير عن الرأي وحرية انتقاد الأديان، ولي مع ذلك وقفات:  أولا: أن هذا جزء من السنة الكونية في تطاول الأشرار على الأخيار،  فمن منهج أهل الضلال وأساليبهم الاستهزاء والسخرية بالصلحاء والأخيار، وجرأة الأراذل على الأخيار جزءٌ من التضادِّ الأبديِّ بين الحق والباطل، وهو سنةٌ إبليسيةٌ تولى إبليسُ سنَّها حين ازدرى أبانا آدم عليه السلام الذي خلقه الله تعالى بيده، وعلمه الأسماء كلها، وأسجد له ملائكته، فاستبدَّ الصلف والكبر بإبليس وتطاول عليه حتى صار يقارن بين أصله وأصله، ثم لم يزل الأخيار هدفاً للأشرار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يستغرب ذلك؛ فللفضائل التي يمتاز بها الأخيار أنوارٌ معنويةٌ تَعْشَى عنها عيون الأشرار، وقد قُصَّ علينا الكثير من ذلك في كتاب الله تعالى تسليةً لنبينا صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)، كما أنه وعده بكفايته المستهزئين، وبكون مبغضه وشانئه أبتر، وقد تحقق ذلك في عتاة الساخرين منه وفي شانئيه، فمن تصدّى لإظهار شنآنه والاستهزاء منه، فما هو إلا ساعٍ في سبب هلاكه من حيث لا يدري.  ثانياً: من تعرّض لنبينا صلى الله عليه وسلم بأدنى لمزٍ فقد بالغ في الإساءة إلينا إساءة لا يضاهيها شيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا، ولا يكتمل إيمان المرء ما لم يكن أحب الناس إليه فعن عبد الله بن هشام، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر» أخرجه البخاري، فعلى جميع الدول أن تعتبر أن هذه حقيقة متجذرة لا تقبل النقاش، والمرجع فيها ما قرره ديننا وأُشربته قلوبنا، لا ما يرونه هم، فمستوى سوء السخرية من النبي صلى الله عليه وسلم وعمق تأذي المسلمين بذلك، ومدى استفزازه لمشاعرهم يعرف من خلال نصوص الشريعة الإسلامية، ولا يمكن أن تجعل أنظمة الدول الأخرى معياراً له. ثالثاً: من مقررات شرعنا تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره والغيرة على عرضه، وعدم الحوم حول النيل منه بأي حالٍ من الأحوال، وليس هذا من قبيل المستحبات بل من آكد الفرائض، أما ما يعتذرون به من حرية التعبير عن الرأي فقضيّةٌ نسبيةٌ لا شك أنها لا تُطبَّقُ بظاهرها السطحي الذي يحاولون تمرير الإساءة من خلاله، فلو عبَّرَ كُلُّ أحدٍ عن رأيه في كُلِّ شيءٍ لعمَّتِ الفوضى، وشاعت الإساءات، وإذا كان التعبير عن الرأي لا يُتيحُ لأحدهم أن يَسُبَّ زميله في العمل مثلاً، ويقول له: هذا رأيي فيك، ولي الحق في إبدائه وإن تأذيت به، فكيف يُتيحُ له أن يُسيء إلى نبيِّ أُمّةٍ بأكملها يَعتبرُ أتباعُهُ أن أدنى تعرُّضٍ له أنكى من أعظم سبٍّ لهم ولآبائهم وأمهاتهم؟!    رابعاً: لما كان شعار العالم المتحضر تثبيت أركان التعايش والمسالمة فمن الضرورة بمكان أن لا تتطاول أُمّةٌ على مقدسات أُمّةٍ بحجم المسلمين بأيِّ ذريعةٍ، وينبغي التركيز على هذه الجزئية في أروقة السياسة العالمية، ولعل هذه النقطة من أهم وسائل تحقيق السلم العالمي، ولا ينبغي أن يُستهان بها، وننتهز هذه الفرصة للتذكير بالعناية بذلك، وهل يظن المستخف بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يجني العنب من الشوك، فيتمخَّضُ له استفزازه لمشاعر المسلمين عن تقبُّلٍ وتمتين صداقة، كلا! فمثل هذه الإساءة لا تُوجدُ لها ثمرةٌ طيبةٌ، بل تُسهِمُ في إذكاءِ الكراهية وتوتير الأجواء بدلاً من التركيز على المصالح المشتركة بين الأمم، والتي لا ينفكُّ المتطرفون من كُلِّ الأمم على تقويضها والتشويش عليها بكل ما أمكنهم من المحاولات، فالمتوقع من عقلاء كُلِّ قومٍ عدم تبني مواقف متطرفيهم، وبهذا تتحقق مصالح الجميع.

مشاركة :