يمام - عبدالرحمن بن عبدالله الشدي خريطة عالمنا العربي حمراء تنزف دماً يُخيل إلي وأنا انظر لها وكأن يداً امتدت منها تطلب الغوث ، سماؤها دخان وطيور فزعة وصدى تكبيرات ، لا تكبيرات الفاتحين ولا المتصدين للغزاة كما يفعل ابطالنا على الحد الجنوبي وانما تكبيرات أخوة يقتلون بعضهم باسم الدين ولو أن للأرواح المغادرة منها خيالاً لحجبت عنها الشمس ، الله اكبر كل حين والله اكبر على الباغين والله اكبر على من مزقوا الأجساد البريئة في مرفأ بيروت حتى امطرت سماء لبنان ساكنيها دماً وأشلاء والله أكبر على من نكلوا بفتى الزرقاء في الأردن وبتروا يديه التي تحمل الخبز لأمه وفقأوا عينيه، أنا يا أعزاء لست إلا رجل عربي وانتمائي هذا لعروبتي جعلني أكتب وأشطب في هذه المقالة أكثر من غيرها فأنا اتحدث عن قومي وهم يقتلون بعضهم فلا المفردة الحصيفة وقفت لجانبي ولا اللغة بجمالها ساعدتني فذكر الدم هو سر شيطنة هذا العربي في كل كتب التاريخ وصولاً الى عالمنا الحديث ، لقد سقطت كل المعطيات الإحصائية للجريمة في عالمنا العربي ولم تعد النسب المئوية قادرة على حصر الدم المهدر وأصبحنا نمسي ونصبح على ذكر المجازر المروعة بل إن الدم العربي أصبح ورقة مقايضة للتأثير على بعض القرارات السياسية حتى بات واضحاً للعالم أجمع أن هناك خلخلة في النسيج الاجتماعي في كثير من دول محيطنا ولن يستطيع أحد أن يعود بهذا النسيج الى ما كان عليه إلا أن يشاء الله ، إن الرجل العربي في تكوينه وموروثه الثقافي يظن أن سلوك العنف فيه شيء من “ المرجلة “ كثقافة إطلاق النار في الأفراح ولم يكن ينقص هذا التوهم بالعنف إلا أن يقترن بعقيدة “ ما “ تُرسخ له مفهوماً جنونياً وعبثياً أن في قتله لأخيه قربة الى الله ونصرة لذلك الإمام المتوفى لأكثر من ألف واربعمائة عام ، هذه الإعتقادات جعلت عالمنا العربي محط سخرية لدى كثير من الساسة والمفكرين الغربيين وليت الأمر وقف عند هذا بل إن صناعة كثير من الفوضى أتت منطلقة من هذه الموروثات ، فخرجت لنا ميليشيات طائفية تقتل باسم الدين وعلى رأسها “ داعش “ حتى باتت منظومة القيم والأعراف التي تحدد توجه سلوكيات المجتمعات منكوسة رأساً على عقب فسقط السلم الاجتماعي ولم تعد هناك مواطنة حقة وتفشت ثقافة عدم احترام القانون واصبح العنف وحده هو الطريقة الفاعلة لتسوية كثير من النزاعات وأصبحت كثير من المجتمعات العربية اليوم ضحية لانفعالاتها ، وهذا ليس حكراً فقط على المجتمعات الفوضوية فحادثة “ فتى الزرقاء “ وقعت في حاضنة متزنة ومتكاملة لمتطلبات الحياة والسلوك المستقيم ومع هذا خرج لنا من يحمل شخصية “ سيكوباتية “ لا تشعر بالذنب أبداً ولا تعرف الرحمة وفعلت جريمتها تلك . إن الحكمة هي ضالة المؤمن وهي خير كثير لمن عرف مواطنها وطرق الأخذ بها وهي ليست سمة فطرية أما أن تأخذ بها من البداية أو لا، بل هي مكتسبة متى ما أردت تعلمها وممارستها، فالعاقل لا يطلب حقاً إذا كانت المفسدة المترتبة عليه أكبر من المنفعة ولو اضطر للعزلة، فما بالك بالقتل والتنكيل وبث روح الفرقة والتطرف، فعالمنا العربي يعيش وضعاً مأساوياً ولا خلاص إلا بالاحتكام لصوت العقل والحكمة وإلا أخشى أن يصدق ذلك القول للشاعر نزار قباني رحمه الله: أمشي على ورق الخريطة خائفاً فعلى الخريطة كلنا أغراب @pin_71
مشاركة :