تشتهر مدينة قابس التونسية، بمزارع «الحنّاء»، ما جعل الإقبال يتزايد على زيارتها لاقتناء هذه المادة التجميلية، قبل تنظيم حفلات الأعراس، وقد تفنن أهالي مدينة قابس، جنوب شرقي البلاد، في زراعة واستخدام «الحناء» وطرق تحضيرها حتى بات لكل فصل من فصلي الخريف والصيف نوعا يتميز به، ومنه «الخريفية» المعروفة بـ«حناء بوليلة»، التي كثيرا ما يزداد عليها إقبال الناس، في حين يجنح المغرمون بها في الصيف إلى «حناء المشماش» و«حناء الحصدة الأولى» و«الحناء الحمراء». وتعدُّ «الحناء» واحدة من أهمّ أنواعِ النباتات الشجريّة الحوليّة دائمة الخضرة، والتي تنتمي للفصيلةِ الخثريّة من النبات، وتُصنّفُ مع الآسيات، أي أنّ أشجارَها تُزرعُ في المناطقِ الآسيويّة، وبعض مناطق القارة الإفريقيّة، ومنها تونس، وتحديدا في قابس، وتستخدمُ في مجالاتٍ عدة، ومنها التجميل للنساء عامة والحصول على ألوانٍ مُشرقة للشعر، كما تعتبر مفيدة في مجال علاج المشكلات الصّحية المختلفة، بفضل تركيبتِها الطبيعيّة ذات القيمةِ العالية. وعن مصدرها، قال الباحث عبد الرزاق التلمودي: «تم جلب الحناء إلى قابس منذ قرون، من قبل قوافل تجارية قادمة من الشرق، في شكل بذور تم زرعها بالواحات مترامية الأطراف على طول ساحل خليج قابس، قبل أن تصبح أحد أهم الإنتاجات الزراعية في الجهة، وتجد رواجاً في الأسواق الداخلية والخارجية، لتمثل من خلالها مصدر رزق لعدد كبير من العائلات من مزارعين وتجار». وأضاف الباحث أن «الحناء القابسية»، كما تحلو تسميتها من قبل التونسيين، كانت تتطلب الكثير من الجهد في المزارع، حيث تعمل النساء إلى جانب الرجال ليلا نهارا، ويتابعون بكل دقة كل مراحل الإنتاج، وفق قواعد وشروط تضمن الحصول على منتوج جيد ورفيع، انطلاقا من زراعة البذور وانتظار دخول فصل الصيف الذي تنزع فيه الأوراق من أغصان «الحناء» اليانعة في محطة أولى، قبل أن تينع الأوراق الخضراء من جديد ويتم قطفها من أغصانها في محطة ثانية على أن يتم حصد شجيرات «الحناء» بأغصانها وترك الجذور، وهي المحطة الثالثة ثم تجفيف أوراق «الحناء» وبيعها. وتابع الباحث التلمودي: «كما يمكن الإشارة إلى أنه يتم استخدام زيت أزهار الحناء في صناعة العطور، فضلا عن الزينة وأصباغ الشعر ودبغ الجلود واعتمادها أيضا لمقاومة الالتهابات الجلدية مثل الفطريات وقروح الفم، وكذلك ضد أوجاع الرأس «الشقيقة» ولتنقية الجلد وتضميد الجراح وتشقق أظافر أصابع الأيدي والأرجل، وهي أمور لا تعرفها الأجيال المعاصرة». أما التاجر عبد الوهاب رزيق، فأكد أن «الحناء» شكلت المادة التجميلية الأساسية في حفلات الزواج لدى العائلة التونسية، وأن سوق «جارة» تعد من أهم الفضاءات التجارية المخصصة لبيع «الحناء» مسحوقة أو في شكل أوراق. من جهتها قالت الخمسينية آمال بن حسين «الحناء، تعتبر ضرورية في تونس بمختلف مدنها، لما تضفيه من جمالية على المرأة، والتي تزيدها النقوش في تناسق تامّ، جمالا على جمال، خاصة أن الفتيات والعرائس منهن يفتخرن بنوع «النقشة» التي ترسمها «الحنّاية» (المرأة التي تقوم بعمليات الرسوم والنقوش)، على يدي العروس، وساقيها، لتظهر فى أبهى زينة يوم حفل الزفاف». أما بولبابة العياشي، وهو مزارع وتاجر، فيؤكد أنّ «الحنّاء» لا تقتصر فوائدها على النساء فقط، بل يستفيد الرجال منها، أيضاً، حيث يتمّ تخضيب بعض أصابع اليد اليسرى للعريس بـ«الحنّاء الخضراء»، في إطار العادات، وتباركا وتيمّنا بزواج جديد، مضيفا أن «الحناء القابسية» تباع بأسعار متفاوتة، حسب الصنف والجودة.
مشاركة :