لماذا تنتصر ثقافة الكراهية على ثقافة الحب؟

  • 10/31/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

سوف أتكلم اليوم عن بعص الأمثلة الشعبية المصرية المنتشرة والتي تتناول الحب والكراهية. أولها المثل القائل: "ما محبة إلا بعد عداوة"، وهو مثال غاية في السذاجة، ولا يقرأ التاريخ الماضي، ولا الحاضر بالتأكيد، هل حدثت فعلا أي محبة بعد العداوة؟ وأكثر ما يغيظك في هذا المثل هو أنه يشترط العداوة أولا لكي تحدث المحبة بعد ذلك بمعنى أنك لا تستطيع أن تحب "خبط لزق"، وتعالوا نبحث عن أمثلة العداوة أمامنا وهل تحولت إلى محبة:  السنة والشيعة أعداء منذ حوالي ألف وأربعمائة سنة، وأرى أن العداء في ازدياد، وأتساءل أين المحبة، ألا تكفي ألف وأربعمائة سنة من العداوة، أم أن العداوة أصبحت حتمية، ولن تنتهي إلا بأن يقضي طرف على الطرف الآخر؟ العداء بين اليهود والمسلمين موجود منذ فجر الإسلام عندما ذهب الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة وحاول اليهود أذيته ووقعوا معاهدة صلح، وكنا نتوقع أن نرى المحبة بين الطرفين بعد ذلك، ولكن لم يحدث هذا، بل على العكس تم خرق المعاهدات والاتفاقيات، واستمر العداء حتى استفحل بشدة حتى اليوم، ولا زلنا نسمع اليوم هتافات من نوع: "خيبر ... خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود"، طبعا خيبر المقصود بها المدينة المنورة، ولست أدري كيف سوف يعود جيش محمد والذي توفى إلى رحمة الله من ألف وأربعمائة سنة، أم أنه تم إستخدام كلمة "يعود" لأنها سجع مع كلمة "يهود"، وكلنا نعلم أن الهتافات ذات السجع تنتشر أكثر حتى لو لم يكن لها أي معنى.العداء بين البيض والسود في أميركا ممتد من أكثر من أربعمائة سنة منذ أن تم إحضار السود من أفريقيا وتم بيعهم كعبيد للعمل في المزارع الأميركية. لم ينس السود حتى اليوم ولم يغفروا بأن أجداد البيض الحاليين قد استعبدوا أجدادهم، ولم ينس البيض بأن أجداد السود كانوا عبيدا عند أجدادهم، ولم يغفر بعضهم على أنه على آخر الزمان تولى رئيس أسود أفريقي الأصل رئاستهم، ورغم كل الحريات المدنية ورغم كل الحقوق التي نالها السود عبر التاريخ الحديث وحتى وصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، فإن الكراهية لا تزال موجودة وبالذات داخل نفوس المتطرفين من الطرفين، تلك الكراهية التي قد تؤدي إلى حرب أهلية ثانية في أميركا، لذلك بعد أربعمائة عام من "العداوة" لم تحدث "المحبة"! والعداوات التاريخية لا تنتهي حول العالم: العداء بين تركيا واليونان، العداء بين الصين واليابان، بين المسلمين والسيخ في الهند، بين الكاثوليك والبروتستانت، بين الأهلي والزمالك! وما زلنا في انتظار أن تتحول تلك العداوات إلى محبة!!  والشيء الغريب أن كل الأديان تدعو للحب والمحبة، ولكن العديد من الأبرياء تم قتلهم، ويتم حتى اليوم بكل ضراوة تحت راية الأديان، وكل طرف في معارك الأديان يعتبر أن قتلاه سوف يذهبون للجنة "حدف" وهي أفضل وسيلة لتجنيد الأغبياء بوعدهم أنهم يقاتلون من أجل الدفاع عن الدين ومقدساته، وسوف ينتصرون أو يقتلون شهداء ويبعثون في أعلى مراتب الجنة مع القديسين ويتساوى في هذا فرسان الهيكل أيام الحروب الصليبية مع مقاتلي داعش وتنظيم الجهاد وجيش المهدي وحزب الله، كلهم شهداء وكلهم سيذهبون للجنة، لم أجد أبدا قائدا أو زعيما سياسيا يخاطب جنوده قائلا: "سوف تدافعون عن راية الدين والوطن، وسوف ترجعون منتصرين، ولكن إذا قتلتم فسوف تذهبون لجهنم وبئس المصير". وبعد خطاب صادق مثل هذا سوف يفر كل الجنود من أمامه بالطبع! ولماذا يحصل الزعماء حتى اليوم على شعبية أكثر عندما يبثون الخوف والكراهية في نفوس شعوبهم، هل لأن الإنسان بطبيعته تحركه نوازع الشر أسهل كثيرا من تحريك نوازع الخير، أم لأن الكراهية أسهل من الحب، أو ربما لأن للحب تبعات ومسؤوليات كثيرة، فأنت إذا أحببت امرأة فهي تنتظر منك أن تحبها وتعتني بها وتقدم لها الهدايا، "وياويلك وسواد ليلك" إذا نسيت عيد ميلادها، وأهم من ذلك فهي تنتظر أن ينتهى هذا الحب بالزواج وهذه مسؤوليات وتبعات كبرى عظيمة، أما إذا كرهت امرأة فليس عليك أي التزامات، يكفي أن تكرهها ولا تفعل أي شيء، إلا أذا أردت أن تؤذيها فمصيرك السجن. ومثال آخر على هذا فبعض المتطرفين من المسلمين الذين يهتفون: "خيبر ... خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود"، فكراهيتهم لليهود لن تكلفهم شيئا، فمدينة خيبر لن تعود وكذلك جيش محمد لن يعود، ولن يفعلوا أي شيء سوى ترديد هذا الهتاف بدون أي مسؤولية أخرى أما إذا قرروا محبة "اليهود أحفاد القردة والخنازير" (لا سمح الله) فهذه المحبة تتبعها مسؤوليات مثل التعايش مع اليهود والتبادل التجاري معهم ويمكن الزواج من بناتهم!! كيف يمكن نشر ثقافة الحب بدلا من نشر ثقافة الكراهية؟  هذا سؤال سهل والإجابة ليست سهلة، تعالوا الأول نسأل: كيف يمكن وقف ثقافة الكراهية، وبعد أن يجيء وقت الحب: "يحلها ربنا"! وقف الكراهية يبدأ في البيت: توقف عن كراهية حماتك! وتوقف عن كراهية جارك المخالف لك في دينك ليس لأن "النبي وصى على سابع جار" فقط ولكن لأنه جارك ويمكن أن يكون صديقك تلجأ إليه وقت الضيق، توقف عن كراهية النادي الأهلي لأن منه سوف يجيء لاعب عبقري مثل محمد صلاح أو ميسي يجعل مصر تفوز بكأس العالم، ومثل أهمية البيت تأتي المدرسة والتي نتعلم منها الكراهية منذ الصغر، وأذكر عندما كنا أطفال في المدرسة وتجيء حصة الدين، يتم إخراج الأطفال المسيحيين من الفصل، ولم نكن نفهم ولا هم يفهمون كأطفال ماذا يحدث؟ ولماذا لا نخرج مثلهم من حصة الدين حتى نلعب في حوش المدرسة مثلهم، ولماذا هذه التفرقة؟ هل هم أفضل منا حتى يسمح لهم بعدم حضور حصة الدين واللعب بدلا من ذلك؟ ومن هنا أتت كراهيتنا للأطفال المسيحيين لهذه الإمتيازات، حتى قبل أن نعرف ما هو الدين المسيحي! أما بث الكراهية في دور العبادة فحدث ولا حرج، وكأن وظائف رجال الدين هي بث الكراهية، وفي أحسن الأحوال إن لم يبثوا الكراهية فدائما يقولون بأن دينهم أجدع دين! طيب: فيه أمل يا دكتور؟ الأمل موجود، وتاريخ الإنسان هو تاريخ البحث عن الحب. ومن الأمثلة الأخرى عن الحب: حبيبك يبلع الزلط .. وعدوك يتمنى لك الغلط. أنا أتفق مع الجزء الأول من المثل، وإن كان موضوع بلع الزلط (واسعة حبتين)، فكيف يمكن أن أجعل عدوي ليس بالضرورة يبلع لي الزلط، ولكن لنبدأ بجعله يبلع لنا المهلبية أو الأرز باللبن! أما مثل: "قلبي زي الدكان لكل واحد فيه مكان"، فقائلة هذا المثل إما قديسة تحب كل الناس أو واحدة تمتهن أقدم مهنة في التاريخ! وأختم بمثل لم أكن أسمع عنه من قبل بدون تعليق: "سيب حبيبك على هواه ... ولما يرجع إديله على قفاه"!

مشاركة :