حينما يأتي العراق في خاطري... تنسحب مشاعري تلقائياً من تلك المشاهد الدموية التي تركها الطاغية صدام حسين محفورة في وجداني أبد الآبدين... وتهرول مسرعة إلى مشاهد أخرى أحبها ولا أمّل من تكرارها، إنها مشاهد فيها تألق حضاري وتراثي وشعري وإنساني، إنها مشاهد بلاد الرافدين أرقى وأعظم الحضارات التي ظهرت على الأرض بما فيها من ملامح حضارية لا يمكن الحديث عنها في هذه السطور القليلة، ولكنها تحتاج إلى مجلدات كي يمكن إبراز جوانبها التي أضاءت التاريخ الإنساني في حقبه القديمة. كما أن خاطري يطرب حلماً وحباً وهو يتنقل بين الكثير من المشاهد الإسلامية على ارض العراق، تلك التي تتحدث عن تاريخ أمة صنعت مجدها بتفاني أبنائها عبر العصور. ثم توشك مشاعري أن تحلق في عوالم من الحب والسلام... بينما مشاهد أدبية وإبداعية عراقية تمر في خلدي وكأنها الأضواء التي تنير الظلمة فتحيلها إلى نور ساطع... شعراء كثر وأدباء كثر ومؤرخون ومفكرون ونهضة ثقافية كان لها التأثير الإيجابي على الحياة بشكل عام... واذكر عبد الوهاب البياتي والجواهري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب ومعروف الرصافي والكثير من الأسماء التي كان لها دور فاعل في تأسيس رؤيتي وذائقتي الأدبية، كغيرهم من الأدباء والمفكرين في الكويت ومختلف الدول العربية. لم يكن العراق بالنسبة الي إلا ساحة من الإبداع والحضارة والسلام... ورغم ما يحدث إلا أن الصورة لن تتغير أبدا، وهذا ما يجعلني دائما لا أتقبل كل ما هو سياسي، لأن هذه السياسة هي التي خرّبت علينا ما كان من المفترض أن يكون عامرا بالسلام والحب. هذه السياسة - التي دفعت بقلة قليلة تريد نثر بذور الشر بين شعبين شقيقين تربطهم الكثير من أواصر المحبة والقربى - لا أحبها ولا أرغب فيها، ولا أريدها أن تكون هي المحرك الذي يدفعنا إلى تحديد المواقف، فيكفي أن الجهات الرسمية الحكيمة في الجانبين الكويتي والعراقي، تفهم هذه الألاعيب المكشوفة وتعرف غرضها، ومن يدفعها للقيام بإثارة القلاقل في خور عبد الله، فهذه أحلامهم التي يسعون لتحقيقها، ولكن المثقفين والفاهمين، لمثل هذه الألاعيب لم يلتفتوا إليها، ولن تكون لها أي أثر عليهم. وأعتقد أن مثل هذه الأمور لن تتوقف... وستتكرر بين فينة وأخرى، ورغم ذلك سيظل الموقف المشترك بين الكويت والعراق واحدا لن يتزحزح قيد أنملة، لأنه موقف مبني على الاحترام المتبادل، وعلى وصون حق الجوار، فموضوع خور عبد الله تم حسمه من خلال جهات متخصصة، شارك فيها الطرفان الكويتي والعراقي، ولن تكون لقلة تريد الفتنة أن تقول قولها المبني على الشر، وستجد هذه القلة من يتصدى لها ويكشف مؤامرتها، التي تريد الشر ولا ترتاح في الأجواء الطيبة التي تجمع الشعبين في الكويت والعراق على أسس الحب والاخوة. فكما للكويت في خاطري الحب الكبير... فللعراق البلد العربي الشقيق والجار الأقرب إلينا أيضا الحب الكبير، وأدعو له بأن تنتشر على كل بقعة فيه أضواء السلام، مثلما أتمنى لكل بلد عربي أن ينعم بالسلام والحب، وان نتخلص من كل قلة تسعى في طريق الفتنة. * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :