إشكالنا مع ماكرون.. أزمة خطاب

  • 10/31/2020
  • 20:01
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يمكن النظر إلى تداعيات خبايا أزمة المسلمين الحالية مع الرئيس الفرنسي ماكرون وتنامي الدعوة الشعبية لمقاطعة المنتجات الفرنسية من زاويتين، تتمثل ثانيتهما في محاولة حركة الإخوان المسلمين ومن شايعهم الاستفادة من الحدث، ولا سيما أنها جاءت بعد الدعوة لمقاطعة المنتجات التركية جراء خطاب الرئيس التركي العدائي لنا على الصعيدين الوطني والعربي، أما أولاهما فتعود إلى عمق أزمة مفهوم وصياغة الخطاب القائم بين الشرق والغرب، والمسلمين والمسيحيين على وجه الخصوص، وفي تصوري فإن ذلك هو لب الإشكال في كل صراع ينتشر شرره هنا وهناك.في أزمتنا الحالية تركز غضبنا على خطاب الرئيس الفرنسي الأخير ودعوته لمواجهة الأصولية الإسلامية كما عبر عنها، وتفكيك حالة الانعزالية التي يعيشها جانب من المجتمع المسلم في فرنسا، مغلفين غضبتنا بفكرة الدفاع عن رسول الله نبي التسامح والرحمة للعالمين، ولعمري فذلك هو لب الإشكال وجوهر ما يمكن أن يتنامى بيننا كمجتمع إنساني من أزمة وجود مستقبلا. على أننا في المقابل لم نلتفت إلى هول الجُرم الكبير الذي قام به أحد المتشددين المسلمين، حين عمد إلى نحر المعلم الفرنسي «صامويل باتي»، جراء عرضه الرسوم المسيئة على طلابه أثناء درس حول حرية التعبير، ومع التأكيد على خطئه السلوكي إلا أن فعله المسيء لا يستحق شرعا وقانونا أن تزهق روحه بسبب فعله الخاطئ، والله قد أرشدنا في محكم كتابه بالكيفية التي يتعامل بها المؤمن مع من يسيء من غير ملته ودينه مصداقا لقوله تعالى «وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره»، والخطاب في هذه الآية ليس محصورا بزمن معين، وإنما هو عابر بحكمه ودلالته لكل الأزمان والأماكن، وما أحوجنا اليوم إلى إعادة صياغة مفاهيم خطابنا الديني وفقا لمراد الله ومراد نبيه، وليس اتباعا لمراد بشر يخطئون ويصيبون.إنها حالة النزق التي باتت تسيطر على مشهدنا المعرفي والحياتي للأسف، وهي مقدمة للوقوع في مستنقع العنف الذي ورد في تعريفه بأنه «السلوك المؤدي للمس بالآخر سواء كان جسميا أو نفسيا، وهو بالتالي يمثل شكلا من أشكال العدوانية، كما يمثل وجها من أوجه التهديد الممارس ضد الآخر، انطلاقا من ثقافة عدم الاعتراف بحقوقه المادية والمعنوية، مما يؤدي إلى فرض وتكريس روح وآليات الاستبداد على مختلف أشكاله وألوانه».أشير إلى أن المستبدين قد عملوا على تغليف مظاهر عنفهم المادي والمعنوي إزاء الآخر المخالف، بأسباب دينية وثقافية مختلفة، بهدف إيجاد المسوغ القانوني والمجتمعي لمختلف ممارساتهم العنيفة، بغية تحقيق مآربهم، وقمع وتصفية خصومهم، ومصادرة كل مظاهر الحريات، وامتد العنف بحبائله إلى الجانب الفكري، ليصبح للقراءة الدينية الخاصة والفهم الأحادي للنصوص الإيمانية الدور المركزي في جنوح البعض لاستخدام العنف وسيلة لإثبات منهجه، على أن الدين من حيث حقيقته وجوهره الرباني، ومن حيث هو نص تشريعي قابل للتأويل وتباين الفهم، لا علاقة له بمآلات الأمر كليا، وبالتالي فالإشكال ليس في أصل النص ومصدره، وإنما في الكيفية التي تم تأويله بها، والظروف المحيطة بذلك.أمام كل هذا، تبرز أهمية معركة الوعي، التي سيكون من ثمارها تقليص ذهنية حروب الإلغاء، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تكريس الإيمان بخاصية التنوع، المؤدي لاحترام حرية الآخر، وطرق تفكيره، وسلوكه، وآرائه السياسية والدينية، وهو ما يحقق اكتمال مفهوم التسامح الذي ننشده بأقوالنا وخطاباتنا المختلفة، إضافة إلى العمل على زيادة مساحة التفكير، وتكثيف منهج التحليل والتأمل والتدبر، وإثارة أسئلة الدهشة والحيرة في حياتنا المعرفية، وفي حينه سندرك بداهة ألا فائدة من الانسياق وراء دعوات حروب الإلغاء، وأن الفكر لا يُواجه إلا بفكر، وأن المعرفة ضالة كل عاقل.أختم بالدعوة إلى إعادة فهم غايات نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نحتفي بذكرى مولده الشريف، الذي جاء ليؤكد على تلك المفاهيم الإنسانية الحضارية، بعيدا عن سيطرة قوانين القوة والغلبة، وتحكم قواعد المنفعة المادية، ومؤسسا للكفاءة المتساوية بين الناس في الحقوق والواجبات في الإطار التشريعي، وتمكين المرء من حريته المطلقة في الإيمان بما يريد من مفاهيم وآراء في الإطار الإيماني، والشراكة العادلة في الموارد الرئيسة في الإطار الاقتصادي، فهل آن الأوان لنعرف مضامين ديننا الخاتم ونتأسى بنبينا المرسل رحمة للعالمين؟zash113@

مشاركة :