نجد أنفسنا في هذا الوقت مرغمين لفتح ملف هذه الهواية في كل موسم مما يعرف بموسم صيد الطيور المهاجرة الذي يبدأ سنويا مع دخول شهر أغسطس ويستمر لنحو شهرين أو يزيد قليلا، والتي صارت قضية تؤرق راحة هيئتها الفطرية وتحرجها أمام المنظمات الدولية بما يحصل بها من تجاوزات تتمثل بالصيد الجائر واستخدام طرق وأساليب إبادة تخطت كل القوانين والأعراف في الوقت الذي تقف فيه الهيئة عاجزة عن إيقافها كونها لا تمتلك الصلاحيات الرادعة ولا الإمكانيات المادية والبشرية الكافية، وبالتالي ظل هواتها أو بالأصح (غواتها) يمارسون عبثهم السنوي ويطورون أساليبهم البعيدة عن أخلاقيات هذه الرياضة أو الهواية العريقة بعدما دخلت الهواية عالم "البزنس" وأصبح لها تجار ومستثمرون يبقون غالبا في بياتهم السنوي طوال شهور السنة ثم يتحركون خلال أيام أو شهور هذا الموسم فقط. ومما لا شك فيه أنّ رياضة الصيد بأشكاله وألوانه ومواسمه المتعددة من الهوايات العريقة المرتبطة بمجتمع الجزيرة العربية وأهالي الخليج بالذات ومنها صيد الطيور المهاجرة، والذي بقي طيلة السنين الماضية مثله مثل غيره من الهوايات المحكومة بالمبادئ والأعراف التي ما كان أحدا من هواتها يجرؤ أن يخدشها أو يقفز عليها، إذ كانت بالنسبة لهم حاجة بالإضافة إلى كونها هواية وبالتالي كانوا يتعاملون معها ويأخذون منها بقدر كفايتهم فقط. رافد غذائي صحيح أنهم ما كانوا يمتلكون أدوات الصيد ووسائله التي أصبحنا نمتلكها ولا أجهزة تخزينها ولكن أخلاقيات الهوية التي تربوا عليها كما أشرنا ما كانت تسمح لهم إطلاقا بتجاوزها حتى أن الطائر الذي كان يسقط عليهم بسبب الإجهاد أو يدخل بيوتهم بحثا عن الماء والظل كانوا يسقونه ثم يطلقونه مرة أخرى دون التعرض له ويسمونه (دخيلا) باعتباره دخل بيوتهم مجبرا، أما حاجتهم فكانت تنحصر تقريبا في كونه يشكل رافدا غذائيا يذوقون خلاله اللحم ويكفيهم جزءاً من أعباء معيشتهم طيلة أيام الموسم، ولم يكن وقتها قد انتشرت بنادق الرش والسيارات بهذه الكثافة إذ كانت وسائله محصورة ببعض الأدوات البسيطة المصنعة محليا والبنادق الهوائية المصرح بها، بينما كان يمنع استخدام بنادق الرش التي تصطاد أكثر من طائر واحد في طلقة واحدة للسبب نفسه وثمة سبب آخر يتمثل في خطورة هذه البنادق على الأشخاص والممتلكات بعد أن تسببت في حوادث قتل وتلفيات وإصابات خطيرة. وسائل إبادة ومع ظهور وسائل إبادة جديدة فإن العقلاء أصبحوا يترحمون على زمن (الشوزن) وبنادق الرش عموما التي كانت مع حجم الأضرار التي تخلفها وأسباب الإبادة لهذه الكائنات الفطرية ما وصلت يوما مجتمعة في موسم واحد إلى ما تقتله شبكة واحدة من هذه الشباك نشرت لتغطي عشرات بل مئات الأمتار المربعة حتى لا يستطيع أي كائن يقترب منها أن يجتازها أو يتخلص منها. تجار الموسم وذكر نايف السبيعي -أحد الصيادين المخضرمين- أنّ تجار الموسم المعروفين بتجار الطيور الذين بدأ نشاطهم يزداد عاماً بعد آخر خلال السنوات الأخيرة، معتبراً أنّهم افسدوا عليهم متعتهم وأساؤوا لسمعة هذه الهواية ومحبيها، واصفاً هؤلاء التجار بأنهم مستثمرون ظهروا في السنوات الأخيرة، يشترون أو يستأجرون مزارع بمساحات واسعة تتوفر عندها مقومات جذب الطيور على أحد خطوط مرورها في هجرتها المعتادة، لافتاً إلى أنّ مبلغ الأجرة التي تدفع في اليوم أو الشهر في مزرعة في مكان ناءٍ وتظل مهجورة طيلة العام، يدل على الحصيلة الكبيرة من الطيور والأرباح الفلكية التي يحصلون عليها. وأضاف أنّ هناك من يتحدث عن مزارع في مناطق الشمال والوسطى تستأجر الواحدة منها بمبالغ تصل في الموسم الواحد إلى (70.000) ريال تمد فوقها الشباك، تصل الحصيلة اليومية إلى (10.000) طائر، يباع منها الصغير وحسب أسعار السوق بمعدل أربعة ريالات، والكبير يصل سعره إلى (40) ريالاً، موضحاً أنّ معدل البيع اليومي يتخطى سقف (50.000-60.000) ريال، بينما لا تكلفهم العملية أكثر من طاقم من العمالة، يوكل لهم عملية تخليصها من الشباك، وذبحها، ثم تخزينها في البرادات التي تنقل إلى نفس المكان. وأشار إلى أنّ مقاومة الطيور التي تقع في الشباك خصوصا الصغير منها معروفة لدى المهتمين بها، وقد لا تتجاوز (30-40) دقيقة تموت بعدها حراً، أو عطشاً، أو إجهاداً، وبالتالي فمن الصعوبة أن يضمن هؤلاء قدرة العمالة المحدودة المكلفة بالذبح من الوصول إليها في ظل الكميات الهائلة من الطيور التي تعلق بالشباك في غضون ساعتين أو ثلاث، وهذا يعني بالتأكيد أنها تموت حرجة، وأن تذكية الكثير من طيور الشباك التي قد تظهر على الطائر المعروض للبيع تمت بعد موته، لا سيما وأنّ هذه العمالة تعمل بعيداً عن الرقابة النظامية والصحية، ، منوهاً بأنّ هذه الطيور أصبح لها مروجون معروفون باستخدام الإعلانات التي كثيراً ما أصبحنا نراها في بعض وسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى ما يروج عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر، فيسبوك، انستقرام، سناب شات، وغيرها". تدريبات من جهته أوضح عبدالرحمن الراشد -صاحب مزرعة- أنّ الظاهرة ليست سيئة في كل أحوالها، خصوصاً إذا ما علمنا أنّها نشاط طبيعي ضاعف من أسعار الأراضي الواقعة على خط مرور الطيور المهاجرة، وقام على خلفية هذا النشاط مزارع تقسم وتؤجر بالحوض الواحد والشجرة الواحدة، قائلاً: "لا تستغرب عندما ينقل لك أنّ مزارعا في منطقة الشمال أو الشمال الغربي بالقرب من سواحل البحر الأحمر في مواقع بعيدة لم يكن لها قيمة، وتؤجر الآن في بعضها حوض البرسيم أو حوض الذرة (100-150) ريال في اليوم الواحد، أو تؤجر شجرة التين على سبيل المثال بمثل هذا المبلغ، ولك أن تتصور كم تحتوي مزرعة واحدة من أحواض أو أشجار"، مؤكّداً أنّ بعض الصيادين الجدد يجهلون آداب الهواية أو يتجاهلونها عنوة عندما يتعمد إلحاق الضرر بالممتلكات الخاصة والعامة، مستشهداً بصيادين لا يتورعون من إطلاق الرصاص من بندقية رش على طائر لا يتجاوز وزنه (200) غرام، يقع على خزان كهرباء، أو فوق مرش محوري في إحدى المزارع، فيترتب على ذلك إتلاف جزئي أو كلي لهذه الممتلكات، التي قد تقدر أثمانها بعشرات الآلاف. وأضاف إنّه لا شك إنّ بعض تصرفات يسئ بها الصيادون الجدد لأنفسهم ولهوايتهم، ويشوهون بها صورة هذه الرياضة العريقة من هذا النوع، موضحاً أنّ الصيد في ثقافة البعض منهم مجرد "هياط" و"فهلوة" واستعراض مع غياب تام للمسؤولية الاجتماعية والمسؤولية البيئية، كتعمد قتل أي طائر أو كائن فطري المحلل منها والمحرم أكله، خلافاً للقاعدة التي يحثنا بها ديننا الإسلامي، ومعناها أنّ "دية الطائر أكله"، ابتداء من الكميات الهائلة للطيور التي تصطاد لتصور فقط وتنشر صورها عبر مواقع التواصل، وأخرى معروف أنّها لا تؤكل، وتصنف من المحرم أكلها، ومع ذلك تصطاد ثم ترمى. وأشار إلى أنّ البعض يمارس الصيد تحت استعراض ما عرف مؤخراً ب"الرمي طيار" عندما يطلق الصياد بندقيته على كل ما يتحرك على الأرض، أو يطير في السماء، من هذه الكائنات الفطرية لمجرد اختبار وصقل مهارته في الرماية، منوهاً بأنّ مثل هذه التصرفات انتشرت بين أوساط الصيادين للأسف الشديد في السنوات الأخيرة، وقد يكون لهذه التدريبات المشبوهة عند البعض ما وراءها من نوايا وأهداف غير سليمة!.
مشاركة :