أزمة اليمن ليست وليدة الأحداث الأخيرة. ففي مجرى التبعية للرأسمالية العالمية كغيرها من البلدان المسماة بالنامية، وخاصة تلك البلدان التي لم تطرد عنها ثروة ريعية ما أشباح الأزمات العنيفة، ظلت اليمن تسير عاقدة العزم إلى مستقبل مجهول، وحذر كثيرون من صوملة اليمن التي تنطوي على خطر كبير على الخليج ومصر. اليمن من أهم بلدان المنطقة من ناحية الموقع الجغرافي الاستراتيجي عند باب المندب، أيْ باب جانب كبير من التجارة العالمية. ودول الخليج هي التي يتهددها خطر صوملة اليمن كجوار مباشر، غير أن خطر هذه الصوملة لا يستثني المستقبل المنظور لمصر التي تمثل قناتها طريقا مهما للتجارة العالمية ومصدرا لا يُستهان به للدخل الريعي لمصر. وتتمثل صوملة بلد أو منطقة في التدهور الاجتماعي - الاقتصادي بسبب الفقر والإفقار والجوع والحرمان لتتحول إلى بؤرة للإرهاب الدولي. ويمكن أن تتحقق صوملة هذا البلد ذي التاريخ الحضاري الكبير من الطريق الصومالي المباشر أيْ التدهور التراكمي المتواصل، ويؤدي إلى نفس النتيجة استيلاء قوة معادية للاستقرار في الخليج ومصر على اليمن؛ مثل عودة عبد الله والحوثيين أو الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) بدعم من إيران في كل الأحوال. ذلك أن هذه القوى المحلية أو الإقليمية لا تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لليمن، بل تعمل على تحويل اليمن إلى أداة من أدوات الصراع الچيوسياسي - الطائفي للنفوذ أو فرض النفوذ على بلدان الخليج ومصر، في حالة سيطرة إيران على اليمن، أما في حالة عودة عبد الله صالح مع الإخوان وربما مع الحوثيين لفترة من الزمن، فإننا نكون أمام عودة النظام السابق واستئناف الانزلاق على طريق الصوملة. لحظة فارقة وكان التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية لحظة فارقة. فقد أحدث التحالف، الذي أبدى قوة عسكرية لم يتوقعها أحد من قبل، وضعا جديدا تماما، يتمثل في استبعاد احتمالات مستقبلية بعينها بضربة واحدة. فمع استمرار الضربات الجوية للتحالف العربي وإضعافها لجيش المخلوع والحوثيين بدأت وتطورت المقاومة الشعبية التي ألحقت، بدعم من طيران التحالف، هزائم ساحقة بالمحتلين، وبدعم من المساعدات الغذائية والطبية التي بدأت تتدفق على اليمن. ولم يَعُد بوسع صالح والحوثي وإيران الدخول في مستقبل اليمن إلا من باب المفاوضات. ورغم الترويج الواسع لأسطورة أن الصراع العسكري لابد أن ينتهي بحل سياسي يؤدي إلى التصالح والتقاسم، إلا أن ما ينتظر قيادات الانقلاب هو العقاب الصارم وليس تقاسُم السلطة. ... المزيد
مشاركة :