تقام المباريات في الوقت الحالي بدون جمهور، فلا نرى أعلاماً ترفرف في المدرجات أو بوابات تكتظ بالمشجعين أثناء دخولهم لمشاهدة المباريات، بل على العكس تماماً تمت تغطية المقاعد البلاستيكية للمدرجات للحفاظ عليها، وأغلقت البوابات. وفي الحقيقة، لا يمكن لأي شخص أن يتوقع متى تعود الأمور إلى طبيعتها ويعود الجمهور إلى الملاعب مرة أخرى. لقد قوبلت الأخبار المتداولة خلال الأسبوع الحالي عن اتجاه الحكومة البريطانية لغلق البلاد مرة أخرى وسحب موافقتها السابقة على عودة الجماهير للملاعب بشكل تدريجي في مسابقات المحترفين، بحالة من الفزع، وفي بعض الأحيان بشعور محتوم بالغضب، خاصة بين أولئك الذين يعملون في مجالات تعتمد بشكل كبير على عودة هذه الصناعة إلى الدوران من جديد. وخلال الأيام القليلة الماضية، صرح رئيس رابطة الدوريات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز، ريك باري، بأن الأندية ستخسر 200 مليون جنيه إسترليني أخرى إذا استمر الموسم الحالي حتى نهايته بدون حضور جماهيري. وبدأنا نسمع تصريحات عن إفلاس بعض أندية الرغبي بالفعل حتى العودة إلى وضع الهواة إذا استمر تأثير الكارثة الحالية على اللعبة بهذا الشكل. ومن المؤكد أن تداعيات هذه الأزمة لا تقل شراسة عن أي لعبة رياضية أخرى، ويمكننا أن نسمع بسهولة عن تعرض كثير من الأندية في هذه الرياضات للانهيار ومعاناتها من الديون. وهناك بالفعل اقتراحات بضرورة أن تكون هناك خطة إنقاذ حكومية، لكن تجب الإشارة في هذا الصدد إلى نقطتين مهمتين. أولاً، لا يمانع وزير الخزانة أن تشمل أي خطة إنقاذ بطولتي الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الدرجة الأولى، وهذا أمر مفهوم نظراً لتراجع عائدات البث التلفزيوني والجنون الذي طرأ على رواتب اللاعبين. وثانياً، هل رأيتم الحكومة البريطانية تتحرك لاتخاذ خطوات ملموسة في الآونة الأخيرة؟ أو بطريقة أخرى، هل رأيتم أي تحرك من جانب رئيس الوزراء نفسه، الذي يكتفي بالظهور أمام الكاميرات للحديث عن اتجاهات العدوى القائمة على الرسم البياني؟ في الحقيقة، لا يوجد شيء مؤكد في الوقت الحالي، ولا يمكن ضمان تنفيذ أي وعود على المدى الطويل. لكن الشيء المؤكد هو أن عالم الرياضة على المستوى الاحترافي يواجه الآن أزمة غير مسبوقة، وبالتالي يتعين عليه أن يكون مستعداً لمواجهتها، وللأسف يبدو أنه سيقوم بذلك بمفرده وبدون مساعدة إلى حد كبير! وعند هذه النقطة، يجب توضيح الأشياء التي تواجه خطراً حقيقياً في هذه اللحظة، كما تجب إثارة كثير من الأسئلة التي تتجاوز مجرد البقاء على قيد الحياة أو الحفاظ على الوضع الراهن، مثل ما الهدف الرئيسي من الرياضة؟ والسؤال الأكثر أهمية هو ما هو الشكل الذي نريد أن تكون عليه الرياضة عندما ينتهي كل هذا؟ في الوقت الحالي، هناك كثير من الأحاديث العاطفية التي تشير إلى أن الرياضة باتت على وشك الانقراض، كما لو أننا أصبحنا عاجزين عن المشاركة وتقديم الدعم! وهذا أمر غير صحيح بالمرة. لكن الشيء المهدد حقاً هو الإدارة المالية الحالية للرياضة على مستوى المحترفين، ونماذجها الحالية وممارساتها الثقافية، مع العلم بأن كثيراً منها غير مرغوب فيه إلى حد ما ويعاني من اختلال وظيفي في المقام الأول. حتى داخل هذا، هناك طبقات ومستويات يختلف بعضها عن بعض، وسيستمر المستوى الأعلى بغض النظر عن كونه مقيداً بهذه الأزمة، لكنه بعيد عن الخطر. فقد يخسر مانشستر يونايتد، على سبيل المثال، 120 مليون جنيه إسترليني إذا امتدت فترة إقامة المباريات بدون جمهور حتى فصل الربيع، وهو رقم كبير بكل تأكيد. وستتقلص الميزانيات ولن تستطيع الأندية إبرام الصفقات بالشكل الذي كنا نراه قبل ذلك. لكن مانشستر يونايتد كان يدفع نصف هذا المبلغ تقريباً راتباً لأليكسيس سانشيز! لقد عزز هذا الوباء حقيقة واضحة، وهي أن كرة القدم في هذا المستوى لا تعمل وفق أي نطاق بشري منطقي! لكن الخطر الحقيقي يواجه المستوى التالي من الرياضة على مستوى المحترفين؛ بدءاً من دوري الدرجة الثانية، ومروراً بلعبة الكريكيت في المقاطعات، ووصولاً إلى السباقات وألعاب القوى؛ حيث يوجد تهديد حقيقي لانهيار المؤسسات الراسخة في هذه الرياضات. وفي كثير من الحالات، يكون السبب الرئيسي في ذلك هو الجشع الكبير وعدم وجود مساءلة كما ينبغي. ولم يكن هناك سوى نادٍ واحد فقط من اتحاد الرغبي للمحترفين لم يتكبد خسائر مالية خلال العام الماضي. وقد أنفق نادي ريدينغ لكرة القدم ما يعادل 194 في المائة من حجم عائداته المالية على أجور اللاعبين قبل موسمين. لم يكن بوسع أحد أن يتوقع تفشي وباء عالمي بكل تأكيد، لكن الأحداث - كما يشير التاريخ البشري - تميل إلى التداخل في مرحلة ما. حتى المؤسسات التي تدار جيداً على مستوى الهواة ستتأثر كثيراً بهذا الوضع. وقد تكون هناك حاجة لعملية تدقيق شديدة لأي خطة إنقاذ ستشمل إعطاء قروض ومنح، بناء على مدى استحقاق كل جهة لذلك. ونأمل أن يكون النظام المتبع في هذا الأمر سهلاً. ومن المحتمل أن تكون المبالغ المالية المدفوعة صغيرة في ظل معاناة الجميع من الديون بسبب الوضع الحالي جراء الوباء. وتجب الإشارة إلى أن المؤسسات المعنية نفسها هي جزء من ثقافة رياضية تعاني بشدة وتستحق الحماية بغض النظر عن الطريقة التي تدار بها حالياً. وقد كشفت الأزمة الحالية عن بعض الحقائق الأساسية، وهذا شيء ليس سيئاً على الإطلاق. فقد اتضح مثلاً أن غياب الجماهير يؤثر بشكل كبير على قيمة الدوري الإنجليزي الممتاز كعلامة تجارية كبيرة. وقد أكد المدير الفني لنادي نيوكاسل، ستيف بروس، خلال الأسبوع الحالي، على أن اللاعبين والمديرين الفنيين يفتقدون للدافع والحافز في ظل غياب الجماهير عن الملاعب. وربما تحاول الأندية والمسؤولون تعزيز هذا الأمر قليلاً عند عودة المشجعين، من خلال العمل على زيادة الحضور الجماهيري للشباب، وعدم إقامة المباريات في وقت متأخر من الليل. وفي الحقيقة، من الصعب للغاية تحمل غياب الجماهير عن الملاعب لمدة عام كامل. ورغم كل تداعيات هذا الوباء العالمي، تعد هذه فرصة جيدة للمنظمات والهيئات الرياضية للانخراط في فترة عميقة من التأمل الذاتي. لقد أثبتت بعض الهياكل أنها مرنة بشكل مدهش، مثل لعبة الكريكيت التي تديرها جهة واحدة تتحكم في كل شيء، وقد اتضح أن هذه طريقة جيدة لإدارة الأزمات المالية! ومن وجهة نظر أندية النخبة في كرة القدم، قد يكون من الجيد وضع سقف لرواتب اللاعبين، أو التحكم فيها بناء على دخل كل نادٍ، لأنه من السخافة أن تؤدي هذه المجموعة الصغيرة من اللاعبين إلى قتل الصناعة التي تدعمهم! ومع ذلك، هناك حقيقة صادمة في هذا الأمر، وهي أن الراتب السنوي لغاريث بيل يكفي لدفع رواتب جميع العاملين في أندية دوري الدرجة الثالثة! من المؤكد أن هذا لن يحدث على أرض الواقع، لكننا نشير هنا فقط إلى التفاوت المالي الرهيب! وينبغي توجيه أموال دافعي الضرائب إلى مسابقات الهواة، وليس إلى مسابقات المحترفين، ويجب ألا تتردد الحكومة في القيام بذلك، نظراً لأن الصحة الجسدية والعقلية للأمة تتطلب ذلك. وفي غضون ذلك، ستتمكن الرياضة على المستوى الاحترافي من البقاء، تماماً كما تمكنت كرة القدم من البقاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن من الواضح أيضاً أن النظام المتبع في عالم الرياضة اليوم لا يعمل كما ينبغي. لا شك أن الرياضة ستجد نفسها تقع في تلك «الهاوية» خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكنها قادرة أيضاً على اتخاذ خطوات تمكنها من الصعود من تلك الهاوية.
مشاركة :