قال السفير عبد الرحمن صلاح الدين، سفير مصر السابق لدى تركيا، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أغرى الدول الغربية لكي تؤيده وتساعده في أن يتخلص من القوى المعارضة له بدءا بالقوات المسلحة التركية وانتهاء بالقضاء، أي أنه قضى على الجهتين اللتين كانتا تمثلان له التحدي الأكبر في ضبط حركته. وأضاف أن أردوغان حاول كسب شعوب المنطقة عبر مداعبة مشاعرهم بالهجوم على إسرائيل، معتبرا أن أحد الأسباب التي مكنته من الاستمرار في الحكم هو النجاح الاقتصادي الذي عاد اليوم ليتدهور، فضلا عن إعلانه منذ البداية أنه خلع عباءة الإسلام السياسي وطلب من مجموعة من الخبراء المحايدين إعداد برنامج للحزب يركز على الاقتصاد والعمل والصحة، واستطاع بذلك أن يحكم ثلاث فترات متتالية.جاء ذلك في الندوة التي نظمتها وكالة أنباء الشرق الأوسط تحت عنوان "المخاطر التركية على الأمن والسلم الإقليمي والدولي" والتي أدارها الكاتب الصحفي علي حسن رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير وشارك فيها كل من : السفير عبد الرحمن صلاح الدين سفير مصر السابق في تركيا، واللواء ناجي شهود المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ، والدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي ، والدكتور كرم سعيد الباحث المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.وأشار إلى الأسباب التي جاءت برجب طيب أردوغان إلى الحكم وجعلته يستمر ويكسب تأييد دول غربية حيث ظهر الدور التركي وحزب أردوغان "العدالة والتنمية" كبديل ينظر اليه العالم الغربي على أنه الحل، نظرا لأن تركيا دولة علمانية تأتي حكومتها بالانتخاب وبها حزب المحافظين صلب المجموعة المشكلة له من مؤيدي الإسلام السياسي، ولذلك رأت أطراف دولية أن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والتي تسعى جاهدة للدخول في الإتحاد الأوروبي تمثل نموذجا بالنسبة للدول الإسلامية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الامريكية وتحت إدارتين مختلفتين للرئيسين جورج بوش وباراك أوباما أطلقت على علاقاتها مع تركيا العلاقة النموذج بالنسبة للدول الإسلامية.وأكد السفير صلاح الدين، أنه اعتبارا من ثورات الربيع العربي ارتبكت حسابات اردوغان الاستراتيجية مما جعله يتخلى عن المبادىء التي جاء بها، حيث تخلى عن العلمانية والانضمام للإتحاد الأوروبي ونظرية "صفر مشاكل" مع الدول، كما تخلى عن اللجوء للقوة الناعمة. ورأى أن أردوغان اعتقد أن الربيع العربي سيوفر له قيادة المنطقة عن طريق وصول جماعات الإسلام السياسي لسدة الحكم في كل دول المنطقة، وكان أمامه النموذج الواضح في مصر وتونس، وكادت ليبيا أن تحكم بالإسلام السياسي، فضلا عن سعيه لذلك في سوريا عبر جماعات الإسلام السياسي التي تقاتل الرئيس بشار الأسد، مشيرا إلى أنه تصور أن وصول هذه الجماعات للحكم وخاصة في مصر سيمكنه من قيادة المنطقة، إلا أنه تخلى عن كل شيء وسقط كل ما كان يثير الإعجاب به من الشعب التركي أولا وشعوب المنطقة ثانيا والمجتمع الدولي ثالثا.وأشار إلى أن أردوغان كان دائما يقول أنه ليس لديه مشاكل مع أي دولة حتى مع أرمينيا وقبرص، بل وحاول لعب دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل، منوها في هذا الصدد إلى شعار أحمد داوود أغلو وزير خارجية أردوغان السابق "صفر مشاكل" في كتابه "العمق الاستراتيحي" عام ٢٠٠٠ والذي تحدث فيه أيضا بوضوح على اهتمام الأتراك بالتحالف مع مصر. وتابع السفير عبد الرحمن صلاح الدين قائلا :"وبالتالي بدأ يتدخل بالقوة العسكرية في الدول بدلا من القوة الناعمة التي كان يلجأ إليها مثل اتفاقيات التجارة والسياحة والمسلسلات التركية، حيث احتل مناطق في سوريا والعراق وأصبح يقول إنها حدود بلاده في إشارة إلى السلطنة العثمانية". وأضاف أن هذا التدخل العسكري بدأ يتجاوز حدوده المباشرة والمجاورة بل انتقل إلى ليبيا حيث أن استراتيجية الأتراك منذ السلطنة العثمانية ألا يروا الجزر الموجودة في البحر المتوسط وبنفس المنطق رأى أن حدوده مع ليبيا في المياه لا تقف أمامها أي دولة جزيرة مثل قبرص أو جزيرة كبيرة مثل كريت أو مئات الجزر الأخرى.وأكد أن أردوغان بعد فشل خططه كشف عن الوجه القبيح وأنه لا يمّول فقط جماعات تهدد أمن الدول بل ينقل مقاتلين أجانب ويدربهم ويسلحهم، بالإشتراك مع دول أخرى، من سوريا إلى مسارح عمليات أخرى مثل ليبيا وإقليم "ناجورنو كاراباخ" لينتقلوا من هذه المناطق وينشروا الفوضى والإرهاب في مناطق أخرى، حيث بدأنا نرى انتقالهم إلى جنوب ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء ووسط وغرب أفريقيا .وقال السفير صلاح الدين، إن نظرية "صفر مشاكل" مع الدول التي كان يتحدث عنها أردوغان تحولت إلى "صفر أصدقاء"، وأصبحت كل الدول المحيطة بتركيا في حالة ما يقرب من الحرب وخاصة بعد اكتشافات الغاز وحقل ظُهر الذي يعد ضربة قاصمة أخرى لأردوغان حيث يرى أنه منجم ذهب فُتح أمام مصر. ولفت إلى أن الخلاف السياسي مع تركيا لا يؤثر على علاقتنا بالشعب التركي بكل طوائفه حيث نأمل أن يعيد الشعب التركي أردوغان وحزبه إلى الرشد والعقلانية، مشيرا إلى أن المعارضة التركية تشدد على أهمية الحوار مع مصر وتحذر دائما أردوغان من أن مصر أهم من الإخوان المسلمين والإسلام السياسي.وأوضح أن الإخوان المسلمين وأنصارهم لا يمثلون سوى ٢٠٪ من شعب تركيا حتى من يصوت لأردوغان معظمهم كان يصوت لإنجازه الاقتصادي الذي تدهور وتحطم اليوم ولم يعد هناك ثقة دولية في أردوغان وتهاوت الليرة التركية، ومن هنا فإن ما يؤثر في سياسات الحكومة التركية اليوم هي الأوضاع الداخلية .وأكد سفير مصر السابق لدى تركيا، ضرورة أن تركز مصر في خطابها للرأي العام الدولي على المخاطر التي تمثلها تركيا على الأمن الاقليمي لأن ما يحدث في شرق المتوسط يمكن أن يُشعل حربا ليس فقط بين تركيا وخصومها بل داخل حلف شمال الاطلسي نفسه، مشيرا في هذا الصدد إلى الخلاف بين تركيا وكل من اليونان وقبرص، مشددا على ضرورة ألا يتهاون العالم على مسألة نقل الإرهابيين واستخدامهم لتحقيق أغراض سياسية .وشدد على ضرورة أن تفهم تركيا أنها لا يمكن أن تستمر في نفس السياسية وتنعم في الوقت ذاته بعلاقات طيبة مع الاقليم المحيط بها، مؤكدا أن هذه الرسالة وصلت لتركيا بشكل واضح.
مشاركة :