التمس العذر لأخيك.. فلربما يكون له عذره إن أخطأ عليك أو قصّر في حقك.. أو تجاوز كل الخطوط الحمراء.. تسمع هذه العبارة دوماً وتعبر عنها وأحياناً في لحظات هدوئك تتوقف أمامها.. ففي لحظات الغضب لايكون الإنسان قادراً على تحمل سماع مالا يريد سماعه.. أو إعطاء الطرف الآخر فرصة ليشرح موقفه.. أو الطرف المحايد ليوضح الصورة التي لايراها.. لأنه يدخل في دائرة مغلقة ومحكمة من عدم التوازن.. وخصوصية الإحساس باللحظة الغاضبة التي قد يضخمها أحدهم حتى يصل معها إلى مرحلة الانفجار.. ومنها يدخل في مسار اللاعودة فيما سيقوم به تجاه الآخر أو تجاه نفسه..! التمس العذر لأخيك وهو الآخر.. هذه العبارة بحروف كارثية عندما تكون في قمة غضبك.. تشعر أنها تستلبك حقك الخاص.. وتمنحه للآخر في ظل خطئه الفادح عليك.. التمس له العذر.. إن أخطأ.. لا بأس.. لكن من يلتمس لي العذر إذاغضبت.. وإذا إنفجرت.. أليس لي الحق لديكم في أن أكون معذوراً فيما أنا عليه؟ من يخطئ يعتقد أنه الوحيد الذي يعاني من كل ضغوط الحياة ولذلك ينبغي تحليله من أخطائه وتجاوزها مهما كان حجمها.. والتعامل معه دائماً بالإلغاء والتجاوز.. وعدم المحاسبة ربما لأنه اعتاد على الخطأ وتجاوز الآخرين عنه؟ وأحياناً تماشيه مع إحساس ما المشكلة في أن أخطئ.. فكلنا خطاءون .. ولكن المشكلة التي يجهلها كيف له أن يستمر في الانقياد لمسار الخطأ دون تفكير أو مساءلة لنفسه؟ ولماذايبحث دائماً عن العذر لدى الآخرين رغم أنهم ليسوا مجبرين على ذلك؟ وليسوا ملزمين به..!! في اتجاهات الحياة المختلفة.. يركض الجميع في مساراتهم.. بعضهم يشعل الحرائق.. والآخر يطفئها.. بعضهم تخصص في التوازن.. والآخر في التدمير.. المشعل يحتاج إلى من يطفئ خلفه.. بعد أن يغادر.. دون شهود في أغلب الأحيان.. وعندما تواجهه بكارثته.. يجيبك "كلنا نخطئ".. وعلينا أن نتحمل بعضنا.. ونلتمس الأعذار.. المشكلة أنّ الأعذار تتعدد وتتشكل.. ولكن في المحصلة الكوارث تتشابه..! يقول افلاطون.. ."كن لطيفاً لأنّ كل شخص تقابله يقاتل بشراسة في معركة ما.. ". هذه الحكمة الفارهة الجمال لا تبدو ذات معنى مهم لمن يقيّم الناس من خلال الصورة المباشرة أو المعنى السطحي.. أو عدم معرفة دواخلهم.. وهمومهم.. فهو يرى أنّ فلان ليس لديه مشاكل وبارد وكل شيء متوفر له ولا يشتكي من مرارة الآيام.. أو عذاب السنين.. أو الحاجة بأشكالها الواسعة.. بل ربما لديه فوائض من الراحة والرضا ينبغي أن يوزعها على الآخرين.. بينما هو يعاني من كل شيء.. تتشارك معه الأحزان وتغيب عنه الأحلام.. وأبوابه دوماً مفتوحة على الوجع.. والمتاعب بأشكالها.. يطارده الهم أينما ذهب.. وبالتالي هو سريع الغضب وعلى هؤلاء الذين يسبحون في الراحة أن يتحملوه بتواضع وليس بغضب.. ملزمين .. وأن يقبلوا أعذاره وأن يفتحوا النوافذ عندما يثور ليخرج منها ما نثره من الصراخ والمفردات العنيفة وأحياناً البعض يستخدم العنف البدني للآخر ويعتذر..! كن لطيفاً مع الآخرين فكل شخص لديه معركة من نوع ما لا تعرفها وقد لايصرّح بها أو يشرحها لأنه من النوع الهادئ والذي يضع معاركه ضمن مسؤوليته الشخصية ولا يعتمد على ثقوب الأعذار مهما كانت حاجته لها.. وقد يلجأ إليها في أضيق الحدود بعد أن يحاسب نفسه حساباً عسيراً.. وهذا هو الفرق بين من يعرف قيمة معاركه التي يخوضها وماذا سيحقق من خلالها.. ويحاول تأملها ليعرف احتمالها وقدرتها على التحقق دون جرح الآخر أو هزيمته حتى وإن كانت تعبر عن طريقه.. ربما لأنه شخص شديد الاتزان.. يعرف مايريد ويحتمي داخل دائرة من التوازن العميق ولا يعنيه أن يعرف الآخرون ماهي معركته سواء كانت شخصية أو عامة لأنها في النهاية قضيته..! الغاضب والمتوازن كلاهما يحارب على جبهات الحياة وبالتالي من الصعب أن يظل المتوازن ضحية لذلك الغاضب الذي يفرض عليه أن يلتمس له العذر لأنه يعاني.. والأمر هنا ليس شخصياً أو متعمداً فقد تتجاوز مرة أو مرتين ولكن تجد نفسك فاقد الرغبة في أن تتلمس أو تلتمس عذراً.. ذلك لأنّ الأفق في الغالب يبدو مسدوداً لتغير هذا الشخص أو تعلمه من أخطائه أو فهمه بأنّ الآخرين لديهم مايفوق مشاكله التي قد يضخمهامن أجل كسب عطف الآخرين..!! قد تلتمس لأحدهم العذر مرة أو ثلاث دون شروط ولكن الاحترام واستيعاب مفهوم أنّ كل شخص لديه مالديه قضية مختلفة تستدعي أن يفهم الطرف الآخر المتلمس دوماً انه ليس مدعواً دائماً لوليمة أخطاء.. وأنّ الحياة عبارة عن مسيرة منضبطة إن أردت أن تنطلق داخلها عليك تفهم أنّ ناسها لهم مطالبهم واحتياجاتهم ومشاكلهم الأفقية والعمودية.. ومع ذلك لم تدب الفوضى في مسارهم أو يبعثر الغضب الممشى ويغرقه في مزاج التقلبات التي عادة ما تُفقد كل شيء وتعجل بالخروج من المسار وأحياناً الطرد منه لعدم اللطف.. أو تفهم الشروط..!
مشاركة :