وصف الباحث في السرديات والدراسات الثقافية علي زعلة الدكتور غازي القصيبي بالخارج عن النسق الثقافي السائد والمنبوذ من كثير من النخب المحافظة المصدرة للخطاب الصحوي حين أصدر رواياته الجريئة منتصف التسعينات من القرن الماضي، وأضاف في محاضرته عن (الآخر في روايات غازي القصيبي) التي كانت عن بُعد وافتتح بها كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية بجامعة اليمامة موسمه الثقافي لهذا العام أنّ ورقته موجزة تحاول تجنب الإطالة والملل؛ لكنها مكثفة بحديث عن الفلسفة والتسامح، مبيناً أن عدداً كبيراً من التيارات والطروحات الفلسفية تحولت عند الممارسة إلى أيديولوجيات تبنّت اللا تسامح مكان التسامح، وبعد أن عرّف المحاضر بمفاهيم عدة أولية وضرورية للمحاضرة –كما قال- كمفاهيم الآخر والهوية والاعتراف، أوضح أنّ الباعث على اختيار روايات القصيبي تحديدا لمقاربة مسألة الآخر فيها، هو أن غازي القصيبي من أكثر الروائيين السعوديين نتاجاً وهو أكثرهم طرحاً وتناولاً للآخر بوصفه موضوعاً روائياً وثيمة سردية؛ إذ تصدى خطابه الروائي للعلاقة مع الآخر بشكل مباشر وصريح، وبشكل حواري يتسق مع جماليات النص الروائي ولا يحيله إلى خطاب مباشر أو صراخ عاطفي ساذج، وأكد زعلة أنّ الفضل يعود إلى غازي القصيبي في انفتاح الرواية السعودية على قضاياها المغيبة وتابوهاتها المسكوت عنها فيما جاء بعد ذلك من إصدارات روائية متعددة. إذ قال إنّ الرواية السعودية تناولت الآخر مبكراً ومنذ أول رواية صدرت في السعودية وهي رواية (التوأمان) عام 1930م وما بعدها من روايات، ولكن «الآخرية» كانت تطرح فيها بشكل بسيط ومقارنات أو ضديات أفرزتها التحولات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في السعودية، وكانت تركز -في معظمها- على الجانب الديني والسلوكي للعلاقة بين الذات السعودية والآخر الغربي أو الشرقي، بينما تميز خطاب القصيبي في رواياته بعمق أكبر لطرح صورة الآخر، بما فيه الآخر الداخلي المختلف دينياً ومذهبياً وقبَلياً، كما قارب القضايا الفكرية والانتماءات الحزبية العربية والصراعات الحضارية العالمية، وكان الحوار الوطني والقومي والسياسي حاضراً بقوة في طروحاته الروائية وتحديداً عبر شخصيات سياسية عربية مؤثرة مثل شخصية الملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس جمال عبدالناصر. وكذلك حضر الصراع العربي الإسرائيلي وحوار الحضارات بل وصراعها أحياناً في عدد من رواياته مثل: شقة الحرية والعصفورية وأبو شلاخ البرمائي وسعادة السفير وسلمى.وعن موقف غازي القصيبي من الآخر قال زعلة: تجب الإشارة -أولاً- إلى أن غازي القصيبي كان واعياً لموقعه المحارَب من قبل التيارات المحافظة والصحوية التي لم تكن تعترف به ذاتاً تمثل خطابها، بل وضعته في موقع (الآخر) العدو الفكري والتغريبي العلماني الخطير على ثقافة الجيل والأمة! وهذا أمر معروف لكل من عاصر أو قرأ عن فترة الثمانينات والتسعينات الميلادية في المملكة العربية السعودية، ولعل وعي القصيبي بذلك قاده إلى تقديم خطابه الروائي عبر شخصيات معتلة عقلياً، كشخصية البروفيسور المجنون في (العصفورية) وشخصية العجوز الخرِفة في (سلمى) وشخصية الكذاب المضطرب في (أبوشلاخ البرمائي) بوصفهم أعواناً في السرد إضافة إلى الفنتازيا والعجائبية في روايات مثل (سبعة) و(الجنية). مشيراً إلى أن ذلك يحيلنا إلى مقولات ميشيل فوكو التي تؤكد أن الآخر هو المعادل الفعلي للجنون، وأن العقلانية المحافظة المتشددة وسيلة كلاسيكية لاستبعاد الآخر ونفيه!وأوجز علي زعلة موقف القصيبي من الآخر في أن القصيبي الروائي كان وفيّاً للقصيبي المثقف في مواقفه تجاه الآخر، وكأنه يستعيد آراء الفيلسوف الإسلامي أبي الوليد ابن رشد في آرائه من المخالف، فجاء موقف القصيبي متبنياً للتسامح العادل الذي يعترف ويحترم كينونة الآخر ووجوده وحريته بكافة تمثيلاتها، ويطالبه -في الوقت نفسه- بالاحترام ذاته والاعتراف والحوار البعيد عن العنف أو ممارسات الاستبعاد أو الهيمنة.وكانت المحاضرة قد شهدت العديد من المداخلات لكلّ من صالح معيض الغامدي ومحمد الراشدي وعالي القرشي وخليف الغالب وحسن حجاب الحازمي وسعد الرفاعي.< Previous PageNext Page >
مشاركة :