حذارِ أيها القدوة..!! علي صالح طمبل في وقت متأخر من الليل كان أحد المشايخ يقود سيارته، وعندما اقترب من إشارة المرور التي كانت حمراء قرر أن يتخطاها بالنظر إلى قلة حركة السيارات. وبالفعل تخطى اشارة وواصل المسير إلى أن أدرك اشارة التالية، وكانت حمراء أيضاً فقرر هذه المرة أن يتوقف عندها؛ ن حركة السيارات في هذا التقاطع كانت تفوق سابقه. وتوقفت إلى جانبه سيارة بها أحد ضباط القوات النظامية، فسلَّم عليه الضابط ثم قال له: لماذا تخطيت الإشارة الحمراء قبل قليل؟ فقال له: لقد وجدت قلة في حركة السيارات؛ فرأيت أن لا داعي للتوقف. ويبدو أن الإجابة لم تكن مقنعة للضابط الذي طلب من الشيخ إبراز رخصة قيادته، فأخرجها ومدها إليه، فأخذ يقرأ المعلومات المدونة فيها، ثم ردها إلى الشيخ وقال: - خذ رخصتك وتفضل بالذهاب، ولكن اعلم أنني لن أحضر درسك مرة أخرى! ويبدو أن الضابط كان من رواد درس الشيخ في أحد المساجد، ولم يكن الأخير يعلم ذلك! ***** وقف رجل في أحد أجنحة معرض الكتاب الدولي، يقلِّب في كتب ذلك الصحفي الشهير المعروضة في الجناح، وتساءل في نفسه أي كتاب سيشتريه هذه المرة لهذا الكاتب الذي يتابع مقالاته في الصحف والإنترنت بشغف شديد ويلتهم كل ما يقع في يديه من إنتاجه. وأثناء تقليبه في الكتب حانت منه التفاتة إلى جدار ذلك الجناح، ليفاجأ بصورة كبيرة للكاتب وبصحبته زوجته في كامل زينتها وتبرجها! فما كان من صاحبنا إلا أن انسحب بهدوء وترك شراء الكتب، وعزم في قرارة نفسه ألا يقرأ لهذا الكاتب مستقبلاً! ومشهد آخر مماثل لشاب كان من المتابعين لمقالات كاتب آخر، ويزور صفحته على الفيسبوك من حين لآخر، حتى وقعت عيناه على منشور للكاتب يهنئ فيه شقيقته على زواجها، وقد أرفق مع التهنئة صورة لشقيقته مع زوجها متبرجة تبرجاً أقرب إلى العري! ***** عندما يقتدي الناس بقدوات، فإن كثيراً منهم ينظر إليها بمنظار مثالي، ويفترض فيها أن تترفع عن العيوب وتتنزه عن النقائص، مع أنهم في حقيقة الأمر بشر يصيبون ويخطئون، وينجحون ويفشلون. وما دام كثير من الناس بهذه الانطباعية التي قد تفتقد إلى الموضوعية أحياناً ولا يفصلون بين ما يقوله القدوة وما يطبقه، وبين حياته العامة والخاصة؛ فعلى من جعلهم الناس في مقام القدوة - سواء كانوا دعاة أو ساسة أو مفكرين أو مربين أو آباءً أو أمهاتٍ أو غيرهم ممن يُقتدى بهم - أن يعوا هذا الأمر؛ لأن صوابَهم يُعظَّم، كما أن خطأهم يُضخَّم، فإذا أصابوا اقتدى بهم الكثيرون وأثنوا عليهم خيراً، وكما يقال: (كلام الملوك ملوك الكلام)، وكان ذلك في ميزان حسناتهم إن أخلصوا نواياهم لله تعالى، أما إن أخطؤوا فقد يقتدي بهم الكثيرون؛ فيعود ذلك عليهم بالآثام والذنوب، وربما كان ذلك سبباً في نفورهم عن الاقتداء بهم ومتابعتهم على نحو ما ذكرنا من الأمثلة الواقعية آنفاً حين يرون فيهم مثالاً لمن يقول ما لا يفعل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2-3]. ولعل مصداق ذلك قول الله تعالى مخاطباً نساء النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات، مذكراً لهن بأنهن قدوات يقتدى بهن: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ) [الأحزاب: 32]، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) رواه مسلم برقم 2674. لن يكون الإنسان إماماً وقدوة حتى يكون صالحاً في نفسه، مصلحاً للآخرين، لا فرق بين مظهره وجوهره، ولا بين علانيته وسريرته؛ لذلك فليتذكر كل قدوة يُقتدَى به في أي مجال أن هناك من يتَّبعه؛ (ولكل ساقطة لاقطة) كما يقولون؛ فإن أصاب فيا حبذا ونعمى، وإن أخطأ فإن (غلطة الشاطر بعشرة) كما في المثل، ولذلك كان من دعاء الصالحين: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (74).
مشاركة :