‫وجهة نظر : الجديد في ضجة الطاقة المتجددة

  • 11/8/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كتبت عدة مقالات عن التغير المناخي والطاقة المتجددة وآثارها على مستقبل الطاقة الأحفورية، وبدأتها في مقال "التغير الحراري... حقيقة أم أسطورة؟"، بجريدة "الجريدة" في 30 يناير 2018، وقد تناولت الموضوع من المنظورين العلمي والإحصائي وجدواه الاقتصادية، لكن يبدو أن بعض المهنيين وغيرهم لم تعجبهم الاستنتاجات الجيوسياسية للموضوع! الداعي إلى إعادة الكتابة في موضوع الطاقة المتجددة هي ثلاث ملاحظات: - الانتقائية لبعض المهنيين للدراسات البيئية والمتجددة دون تنقيح وتحليل المنطق فيها! - تضخيم الأرقام الإحصائية للدراسات المتجددة وتعظيم نتائجها البيئية وانعكاساتها على مستقبل الطاقة الأحفورية! - مناداة الحكومة الكويتية الى اتخاذ إجراءات جادة والتقليل من استعمالات الطاقة (النفط والغاز)! بهذا المقال أتمنى للمهنيين من أهل الاختصاص والاقتصاديين وأصحاب القرار أن يعيدوا النظر في أسلوب تقديم الطاقة المتجددة وانعكاساتها على استرتيجية الدولة عام 2040. فالاستعجال سبب بناء مشاريع مكلفة آلت الى الفشل، والتي منها انسحاب مؤسسة البترول من مشروع الطاقة الشمسية والهوائية لعدم جدواها! نذكر أن هناك 6 غازات أساسية تسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض، حسب مؤتمر باريس (IPCC) 2015، وثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرق الفحم والنفط والغاز، ويشكل 65 بالمئة لتكون دفيئة الأرض (Green House)، ومن ثم ارتفعت حرارة الأرض عن معدلاتها الطبيعية. عرض المؤتمر نموذجا لتخفيض درجة حرارة الأرض عام 2035 بمقدار درجتين فهرنهايت (1.1 درجة مئوية). استشهد المؤتمر بمؤشرات لارتفاع الحرارة أهمها حرائق الغابات، التي فقط 4 بالمئة، منها هو بفعل الطبيعة، الصواعق، والباقي مفتعل، واستشهد المؤتمر أيضا بتقليص مساحات الثلوج في القطبين، والتي أيضا لم يدعمها المنحنيات التي عرضت! امتنع المؤتمر عن إتاحة فرص متساوية للبحوث المناقضة للنظرية، مما أثار جدلا شكك في تسييس النتائج! لمحبي التقارير الدولية، التي كثر تناقضها، نرجعهم الى تقرير وكالة الطاقة الدولية (Key World state Energy 2020). عرضت الدراسة أرقاما تفصيلية حول إنتاج واستهلاك الطاقة من 1970 الى 2018. واستنتج التقرير أن الاعتماد الأقوى خلال الـ 50 سنة الماضية كان على الوقود الأحفوري، رغم تطور الطاقة المتجددة من بطاريات جديدة وألواح شمسية ذات كفاءة وطاقة هواء رخيصة وموديلات مختلفة من السيارات الكهربائية. كان 48 بالمئة من الطاقة كان مصدره الوقود الأحفوري، وبعد 45 سنة تنزل النسبة 8 بالمئة لتصل الى 40 بالمئة. النسب المذكورة هي لتوليد للطاقة الكهربائية فقط وليس الحرارية وتصنيعه، يعني مع إضافة الاستهلاك الآخر تنخفض نسبة الأثر الى أقل من 4 بالمئة، انخفاضا من إجمالي استهلاك الوقود الأحفوري. أطرح التقرير هنا بصورة جدلية لمحبي التقارير دون تمحيص. ولهم أقول أيضا إن الصين رغم انها أكبر مستثمر في الطاقة المتجددة، فإنها لا تزال هي أكبر مستهلك للوقود الأحفوري! وهنا نذكّر الاقتصاديين بأن الاستثمار في بحوث المتجددة لا يعني تبني مشاريعها وإهمال الأحفوري كوقود أساسي سهل للطاقة والتصنيع. هذا ينطبق على شركات النفط الأوروبية، حيث الاستثمار لا يعني التحول عن لبّ العمل. فلا يمكن أن يكون مقنعا صرف 500 مليار دولار على أبحاث لتخفيض درجة مئوية واحدة للحرارة في 2035، ولا يمكن أن يستمر الاقتصاد العالمي بخسارة 1.5 تريليون دولار سنويا في سبيل خفض درجتين فهرنهايت! في المقارنة بين فروقات وإشكالات الأحفورية والمتجددة، ننبّه أنصار التحول الى المتجددة أن من الإنصاف عندما نذكر ميزات الطاقة المتجددة ان نقارنها مع ميزات الأحفوري، وهنا نذكر ثلاث مقارنات ونؤجل الأخرى الى فرصة تالية: ذكروا أن الطاقة المتجددة، شمس وهواء، أنها دائمة، وأن الأحفوري ناضب ووضع تقدير 70 سنة كحد أقصى لعمر الأحفوري. الملاحظة هنا من جانبين "الكمية"، وهذا يحكمه في الأحفوري المخزون المكتشف والمستقبلي، والعمر الافتراضي لعملية الإنتاج، وهذا يحكمه الاقتصاد والتطور التكنولوجي. فالأحفوري، النفط فقط، المكتشف المثبت منه حاليا قارب ثلاثة تريليونات برميل من النفط التقليدي، وإذا أضفنا الى ذلك الصخري والرملي والغاز والفحم، فإن أرقام المخزون العالمي ستكون خيالية ولا يستوعبها إلا المختص. وبالمقارنة مع "المتجددة" التي تعتمد في بقائها على مدد الاستهلاك والتطورات في الألواح الشمسية وتوربينات المراوح والتخزين والبطاريات، وهي أيضا بحاجة الى اكتشاف لموادها الأساسية النادرة ومنافسة الأحفوري في بقائها بنفس كلفته! يحتج أنصار المتجددة بنظافة انبعاثاتها بالمقارنة في الأحفوري ذات الانبعاثات الكربونية. في المقابل، يتغاضى أنصار "المتجددة" أن إعادة تدوير بقاياها، بل وتصنيعها أيضا، هما مصدر انبعاثات غازية أكبر من مصانع الأحفوري، كما صرحت المانيا حديثا من مصانع سياراتها! أضف الى ذلك التخلص من البطاريات هو مصدر تلوث للأرض ومياهها الجوفية، وتطور شحن بطارياتها ايضا معتمد على المعادن النادرة، وفيها دمار لطبوغرافية الأرض من مناجمها. وهنا نؤجل النقاش في انتشار الموجات الكهرومغناطيسية المنبعث عندما تتحرك السيارات ومحطات الشحن حولك وآثارها العصبية على الجسم. احتج أنصار المتجددة على التطور السريع للكفاءة ورخص الكلفة، واعتبروا أن ذلك مطبق في كل مكان، وهي بالتأكيد غير مطبقة في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، حيث تقلبات المناخ القاسية والفقر. ولا يمكن مقارنتها بأي حال بكفاءة الأحفوري في تخزين الطاقة والتحكم في انبعاثاتها التي تتطور بصورة أسرع في تكنولوجيا حبس الكربون (CCS)، التي تبنتها شركات النفط العالمية لتوصلها الى صفر في المئة. أضف الى ذلك تطور تخزين الطاقة بتطور مشتقات الوقود الصديقة للبيئة وفنون إطالة العمر المكمني. ولنا عودة لقرار مؤسسة البترول من الانسحاب من مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية لعدم جدواها الاقتصادية، وقد ذكرنا ذلك منذ عام 2015 في مقالات وتغريدات متعددة. إن نموذج مشروع الطاقة الشمسية والهوائية في الكويت من النماذج الاستعراضية التي أصبحت سمة لكثير من مؤسسات الدولة، وقد أوصينا حينها بصرف المبالغ الضخمة التي تجاوزت المليار دينار على تكنولوجيا حبس الكربون، وعلى تطوير مشتقات المصافي وغيرها، الى أن تتطور هذه الألواح بما يناسب مناخ الكويت القاسي المتقلب. كانت أيضا التوصية حينها الاعتبار لمشروع الحرارة الأرضية (Geothermal Energy) فلدينا كثير من الآبار النفطية المعطلة. أستنتج أن ضجة الطاقة المتجددة يجب تقييم حقيقتها العلمية والاقتصادية معا، فإن الغالب على التقارير الدولية، منذ مؤتمر باريس، هو الجانب السياسي، وأن أرقام إنجازات المتجددة العالمية لا تطبق على الدول الفقيرة وحتى الغنية مثل الكويت، وقد علّمنا وباء كورونا أن اقتصاد الأزمات يحتاج الى الطاقة السهلة التي تصل الى جميع أرجاء الارض. فلتتجه أموال أبحاث المتجددة الى مشاريع تنقية الانبعاثات الكربونية من الأحفوري، فكلفتها الاقتصادية أجدى. الأرقام العالمية يجب أن تعالج بظروفها المحلية، فالأرقام العالمية لا يمكن البناء عليها دون تنقيح. فيجب أن نطور ما لدينا من سلعة رخيصة، ناظرين الى تطور تكنولوجيا المتجددة، فمستقبل الطاقة الأحفورية لن يسلب أكثر من 4 بالمئة من نموها، لأن منافسة الطاقة المتجددة للأحفوري تحتاج الى عشرات السنين ما بعد 2040 حتى تهدد. فليس هناك خطر بيئي حقيقي للانبعاثات الكربونية من الطاقة الأحفورية. *خبير واستشاري نفط

مشاركة :