صدمت وكالة الطاقة الدولية عالم الطاقة، بتقريرها "صافي الصفر" (تصفير الانبعاثات الكربونية) بحلول عام 2050، الذي أشار إلى أن العالم لن يحتاج إلى أي مشاريع إضافية للنفط والغاز تتجاوز ما تمت الموافقة عليه بالفعل اعتباراً من هذا العام. وذهبت شركات الطاقة الأسترالية والآسيوية، وعلى رأسها اليابان، إلى أن هناك العديد من الطرق نحو "الصفر الصافي" ليس فقط تلك التي تفصّلها وكالة الطاقة الدولية. غير أن الوكالة تدعي أن طريقها هو "الطريقة الأكثر جدوى من الناحية التقنية وفعالة من حيث التكلفة والقبولة اجتماعياً“ في الحاجة إلى أمن الطاقة. وإذا اتبع العالم مسار "صافي الصفر لعام 2050" الذي حددته الوكالة، إضافة إلى قيادة بسرعات أقل من 100 كم في الساعة، وتحديد تكييف الهواء بمعدلات أكثر اعتدالاً، فإن الطلب على الفحم سينهار بنسبة 90 في المئة، والطلب على النفط بنسبة 75 في المئة، وعلى الغاز الطبيعي بنسبة 55 في المئة (وكالة). هذه النتيجة بناءً على توقعات الوكالة في تقرير سابق أن تنمو معدلات الطلب على النفط 4.4 في المئة مع 2025، ليصل الى 109 ملايين برميل يومياً في 2040. وكعادة تقارير وكالة الطاقة (باريس) صاحبة العامل الأحادي المؤثر في الطلب الذي هو انبعاثات الكربون الذي وصلت في الدول الصناعية إلى 70 في المئة، وسائر الدول العالم إلى 30 في المئة، منها فقط 1.5 في المئة من دول النفط "أوبك" من الغازات الدفيئة. إن نسبة الكربون المنبعث إلى الغازات الدفيئة الأخرى هو 55 في المئة، والتي بني عليها قرار خفض حرارة العالم، ومن ثم أوصت بالتحول الكامل للطاقة المتجددة. هذه النتيجة المضللة تهمل الانبعاثات الزراعية والحيوانية التي هي مصدر أساسي آخر ليس لغاز الميثان والكربون المتحول. هذا الأسلوب في انتقائية الآثار وتضخيمها يجعلنا نشكك في الدافع الجيوسياسي لمشروع "مؤتمر باريس 2015" الذي، في اعتقادي، أن الدافع وراءه كان الكساد الصناعي الذي أصاب دول أوروبا ونوايا تصنيع الطاقة وليس استكشافا في وقودها، إضافة إلى نفاد حقول بحر الشمال (منبعها الأساسي). هذا ما دفعها لانتقاء انبعاثات الكربون ومن النفط بالذات كمصدر أساسي لارتفاع حرارة الأرض، فاستثنتها بقوانين تقيد جدوى الإنتاج، متناسية ضمور الغابات وتزايد عدد البراكين (التي ازدادت أعدادها السنوية خلال الـ 200 عام السابقة من 5 إلى 65 بركانا في السنة)، وتزايد عدد سكان الأرض وزيادة المساحات الزراعية. إن خطة "الطاقة الدولية" في تصفير الانبعاثات الكربونية (صفر في المئة) عن طريق: • تقنين قوانين تعقد استكشافات الطاقة الأحفوري. • التحول الكامل إلى الطاقة المتجددة. • وفرض مصادر طاقة معيّنة (هواء، شمس، وماء). ذلك أدى إلى إهمال مصادر طاقة الوقود الأساسية وتقييد التكنولوجيا المسايرة لها، كالاستفادة من حرارة الأرض (Geothermal Energy) وعطل مشاريع اصطياد وحبس الكربون الذي له فوائد كبيرة وذات قيمة مضافة. فإضافة إلى أنها تقلص انبعاثات الكربون فتكنولوجيا اصطياد وحبس الكربون لها كلفة تشغيلية أقل بحوالي 28 في المئة من تشغيل ألواح الطاقة الشمسية، وأكثر من ذلك لمراوح الطاقة الهوائية. صناعياً عد للكربون 10 فوائد مطبقة منها: • تقوية كونكريت البناء. • إنعاش مساحات التربة الزراعية زيادة منتج ثمرة. • الإنتاج الثانوي للنفط. • زيادة طحالب البحر. • إنتاج الطاقة البيولوجية. • تبريد إضافي لمواد البناء. • إنتاج الوقود الصناعي (الميثانول). • صناعة المواد البلاستيكية ... وغيرها. وقد كتبنا مسبقاً عن آبار يتيمة (غير منتجة) ذات حرارة تفوق 150 درجة مئوية يمكن الاستفادة منها لإنشاء محطات طاقة كهربائية الحرارية. فرضية ضمور مستقبل النفط كتب الكثير متشائماً عن مستقبل الطلب على النفط، رغم توقعات وكالة الطاقة نفسها أن الطلب 109 ملايين برميل يومياً في 2040. وافترضت الوكالة أن التحدي الأكبر القادم سيكون انتشار السيارات الكهربائية بمعدل نمو تصنيع يتراوح بين 30 و40 في المئة بمعدل شراء 3 في المئة. فعلى فرض أن الموجود من السيارات الكهربائية 9 ملايين حاليا، فإنها تسلب من إنتاج العالمي للنفط أقل من 1 بالمئة في 2025، بنسبة متفائلة جدا. ومنها تفاوتت شركات الطاقة في توقعاتها على ذروة الطلب على النفط، فـ "وكالة الطاقة" تتوقع الذروة قبل 2040، و"ريستاد للطاقة" تتوقع نقصا حادا في الإنتاج 2050، و"غولدن ساكس" توقعت ذروة الطلب على النفط في 2026، وحذرت "وود ماكينزي" من الحاجة الى استثمارات جديدة للنفط في إنتاج 23 مليون برميل يوميا إضافية من مصادر الجديدة لتعويض النقص القادم. هذا التباين في تقدير ذروة الطلب والقدرة الإنتاجية ساق الشركات الاستكشافية الكبرى للنفط إلى التحوط وتقليص ميزانياتها الرأسمالية الى 60 في المئة، بالإضافة إلى إفلاس الشركات الصغيرة، وهذا كله أدى إلى توقعات لظهور نقص في الانتاج النفط والغاز يصل الى أكثر من 25 في المئة. إن مستقبل النفط يعتمد على الاقتصادات الناشئة والنامية بنمو يقدر بـ 4.4 بالمئة في 2025، والبتروكيماويات تساهم في 60 بالمئة من نمو الطلب بمعدل يصل إلى 5 في المئة سنوياً. في تصوري أن الحاجة ملحة جداً لزيادة القدرة الإنتاجية للنفط، رغم تفاؤل تقارير الطاقة البديلة المتناقضة. ومؤشرات ذلك كثيرة، فإضافة إلى ما عرضت من تضارب تقديرات الطلب وذروة الإنتاج، نجد أن مؤشرات أسهم شركات النفط العالمية في تصاعد بتوجهها إلى النفط الرخيص ذي المخاطر الصغيرة، فلا يمكن للاقتصاد العالمي أن يبنى على قرار وكالة الطاقة السياسي في إعدام الوقود الأحفوري (نفط، وفحم، وغاز) في سبيل تصفير الانبعاث الكربوني، غير المقنع علمياً واقتصادياً. مستقبل نفط «أوبك» في تحليلي إن سلمّنا بتوجه الوكالة الى الطاقة البديلة، وتوجه شركات النفط العالمية إلى التحول في انتاج النفط الرخيص، إضافة الى التنافس الشديد القادم بين أكبر اقتصادين (الصين والولايات المتحدة) وتنامي الاتحاد الأوروبي، سيسبب ذلك نقصا شديدا للطاقة وزيادة في الطلب على الطاقة يبدأ في نهاية 2023. هذا النقص سيكون في مصلحة دول "أوبك" ذات كلفة إنتاج رخيصة والوفرة العالية. هذا ما أدركته دول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغت استثماراتها السنوية خلال العامين السابقين في الاستكشاف والتطوير والبتروكيماويات نحو 300 إلى 400 مليار، أعلى من مشاريع "المتجددة" التي بلغ 240 مليارا. ومع الأسف استثمارات الكويت في القطاع النفطي كانت الأقل خليجياً، إذ انخفضت بنسبة 86 بالمئة في مارس 2021 مقارنة مع مارس 2019، إذ 65 مليارا آمل أن يتدارك ذلك قبل أن تفوت الفرصة. *خبير واستشاري نفط
مشاركة :