كان ألبير كامو واحدًا من الذين يصعب تصنيفهم، فهو، من جهة، رائد في فلسفة العبث، والذين قرأوا «سيزيف» سيدركون ذلك لا محالة، كما أنه، ومن جهة أخرى، أحد أعمدة الوجودية، حتى وإن ادعى هو عكس ذلك، وحتى وإن استمر، وبعناد، في الهرب من كل ما يربطه بـ «سارتر». لكن وجودية «سارتر» ليست إلا تجليًا واحدًا من تجليات الوجودية، وكون المرء ليس وجوديًا على طريقة سارتر لا يعني أنه ليس وجوديًا من الأساس. سوى أن ألبير كامو لم يفهم الأمر على هذا النحو، على الرغم من أن «الغريب» أو «كاليجولا»، بل حتى «أسطورة سيزيف»، أعمال يمكن أن يتم موضعتها ضمن الانشغالات الوجودية من دون كبير عناء أو شطط في التأويل. سوى أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن ألبير كامو لم ينتم إلى فلسفة العبث قدر ما ابتكرها هو، كما أنه كان عدميًا _وهذه مسألة لا مرية فيها_ إلا أن عدميته كانت تدفع إلى العمل، إلى الفعل، ومن ثم لا غرابة أن كان الرجل فاعلًا على المستوى السياسي حتى منذ حداثة سنه.كاليجولا وتخطي حاجز المستحيل كلنا يعلم أن ألبير كامو كان مؤلفًا مسرحيًا لا يشق له غبار، ولعل مسرحية «كاليجولا» واحدة من أشهر مسرحياته، والتي اتخذ فيها من الشخصية التاريخية «كاليجولا» بطلًا وموضوعًا لها. وكاليجولا، في هذه المسرحية، كان معلمًا إنما قاسيًا، يعطي دروسًا في التربية والأدب بالخنجر والطعنات؛ يقتل شخصًا ليعلم آخر أو ليثبت له نفاقه وزيف دعاويه. فالرجل الذي قال له «أفديك بحياتي يا كاليجولا» اكفهر عندما أرسله إلى مواطن الهلكة بدلًا منه. كاليجولا شجاع، عاش أفكاره، بل إن أفكاره كانت حياته ووجوده الخاص، إنه ليس من ذاك النوع الذي يفكر في أمر ويفعل آخر، وإنما كان لديه من الجرأة والجسارة ما خوّله أن يطلب القمر وأن يشق الدرب ركضًا وراء المستحيل. وكاليجولا، بطل المسرحية، أدرك الحقيقة، لكن أي حقيقة هذه التي أدركها؟ كاليجولا، في الواقع، أدرك حقائق جمة، لكن ما يجمع بين حقائقه: أن كل ما لم يتوصل إليه المرء بنفسه وكل ما لم يصنعه بنفسه فهو أمر تافه وحقير؛ لذا فإن غالبية الناس في عُرف كاليجولا ومذهبه تافهون لأنهم ليسوا أحياءً لا بل لم يولدوا بعد. ولأن كل شيء يمكن أن يصنعه المرء بنفسه ويتوصل إليه بمفرده؛ تمكّن كاليجولا من عبور الجسر الفاصل بين الممكن والمستحيل، فلا واقع إلا ما أوقعه الإنسان ولا مستحيل إلا ما جعله أيضًا كذلك. كل هذه الأمور (الممكن والمستحيل..إلخ هذه الثنائيات) ألعاب فينومينولجية، يتصور المرء أن هذا الأمر مستحيلًا فيتعاطى معه وفقًا لهذه الرؤية والعكس أيضًا صحيح. وبمناسبة مرور ذكرى ميلاده، يعرض «رواد الأعمال» نُبذًا من سيرة حياة ألبير كامو وذلك على النحو التالي: اقرأ أيضًا: ويليام موريس وتطوير نظرية الصنعة اليدويةوُلد ألبير كامو في الجزائر يوم 13 نوفمبر عام 1913م.قُتل والده بعد مولده بعام واحد في إحدى معارك الحرب العالمية الأولى.كانت أمه مصابة بالصمم الجزئي، وكانت أمية تعمل في تنظيف البيوت، بمنطقة لمحدودي الدخل في الجزائر، وله أخ أكبر اسمه لوسيين.درس كامو في مدرسة البلدية المحلية وكان طالبًا نجيبًا في المدرسة فلفت انتباه مدرسه لوي جيرماين الذي نصحه بالتقدم لمنحة دراسية لاستكمال دراسته الثانوية، فالتحق عام 1923 بمدرسة “لي سي بوجو”.قُبِل في جامعة الجزائر؛ حيث درس الفلسفة. وبحلول عام 1936 كان كامو حصل على الدراسات العليا في قسم الفلسفة. وحصل أيضًا على شهادتين في علم الاجتماع وعلم النفس.حصل كامو على شهادة الدبلومة بعد أن قدم رسالة بعنوان “الميتافيزيقيا المسيحية والأفلاطونية الحديثة: أفلوطين وأوغسطينوس”.في 16 يونيو عام 1934 تزوج من سيمون يي التي كانت مخطوبة من قبل لصديقه ماكس بول فوشيه، ودام زواجهما حتى يوليو عام 1936، ثم تزوج كامو مرة أخرى في 3 ديسمبر عام 1940 من فرانسين فاغ، وكانت عازفة بيانو وعالمة رياضيات التقى بها عام 1937 وأنجب منها في 5 سبتمبر عام 1945 توأمًا “كاثرين وجاين”.حصل ألبير كامو على جائزة نوبل للآداب عام 1957م.وتوفي في 4 يناير عام 1960 في بيرغندي بفرنسا على إثر حادث سير، وكان في السادسة والأربعين من عمره. اقرأ أيضًا: آلفين توفلر.. لا نهاية للتاريخ لويس أراغون.. المثقف الذي لم يتخل يومًا عن الإنسان أنطونيو تابوكي.. الدفاع عن الحق والإنسان
مشاركة :