عشّاق الصحراء

  • 8/14/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كما أن السينما لم تضع نهاية للمسرح، بل أسهمت في تطويره، وكما أن التصوير الفوتوغرافي لم يُنه الفن التشكيلي، فإن الطائرات ووسائل النقل الحديثة والسريعة التي تختصر المسافات، لم تحوِّل الرحلات إلى ذكرى، فهناك الآن من يصرّون على أن السفر إذا كان بالفعل عديد الفوائد يجب أن يتم بالوسائل التقليدية ، سواء بالمشي أو باستخدام الدراجات. والرحلات التي قام بها رجال شغوفون بالجغرافيا ولديهم فائض من الفضول قطعوا آلاف الأميال بوسائل بدائية ، ما أتاح لهم وصف الأمكنة التي مروا بها وعادات الشعوب التي حلوا فيها. هذا ما تعلمناه من السيرافي وابن بطوطة وابن فضلان في تراثنا العربي، إضافة إلى ما قرأناه لإدوارد لين ونيرفال ونيبور وفلوبير وغيرهم ممن قرروا معرفة العالم خارج حدود بلدانهم ، سواء كان ذلك بمبادرة خاصة أو بتكليف من أولي الأمر، كما في حالة نيبور الذي زار مصر واليمن والعديد من دول هذه المنطقة إضافة إلى شغفه بالصحراء. وعلى ذكر الصحراء ، فهي ليست مجرد كثبان وقوافل ورمال بالنسبة لمن حلوا بها، فهي ابنة الشمس البكر، والفضاء الرحب الذي يتيح للإنسان أن يتأمل. وهذا ما فعله الكاتب لو كليزيو أو عاشق الصحراء، حين قرر أن يجعل من هذا العالم الصافي مُلهماً له ولرؤاه، ولما كتب من روايات. وأطلق هذا الكاتب على المناطق الصحراوية اسم حضارات شمسية ، ويضيف أن الصحراء هي كل الجمال على هذا الكوكب. هل يرى الآخرون، سواء كانوا رحالة أو مستشرقين، في بلادنا ما لا نراه نحن لأنه أصبح مألوفاً بالنسبة إلينا؟ فالمياه الدافئة ، كما يقال ، اجتذبت أساطيل وغزاة وقراصنة ، لكن الصحراء التي عشقها الوافدون من بلاد الصقيع والضباب ليست مجرد جغرافيا ساحرة ، إنها ممهورة ببصمات شِعر خالد وخطى رسولية. وإذا كان الرحالة الغربيون قد كتبوا عن الصحراء ما لم تتوقعه مجتمعاتهم فذلك لأنهم رأوا ولم يكتفوا بالقراءة أو نقل الحكايات. إن الرحالة في عصرنا ليس لديهم ما يقولونه ويدهش قراءهم إلا إذا قطعوا المسافات على الأرض وليس بين الغيوم. منصور

مشاركة :