ألقت الاضطرابات الإثيوبية الداخلية، بظلالها على مفاوضات «سد النهضة» مع مصر والسودان، وسط مخاوف من «إرجاء بعيد» للمحادثات، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، خاصة بعد أن أحدثت الحرب في إقليم «تيغراي» تصدعاً في الائتلاف الإثيوبي الحاكم بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد. وأعلن الجيش الإثيوبي، نهاية الأسبوع الماضي، الحرب على إقليم تيغراي شمال البلاد، بداعي مواجهة مساعي الانفصال، بعد «هجوم» شنّته عناصر «جبهة تحرير شعب تيغراي» على معسكر للجيش في المنطقة. ويهدد التدخل العسكري للجيش الإثيوبي، الذي أسفر عن مقتل المئات، باندلاع حرب أهلية واسعة في البلاد، بحسب مراقبين، رغم محاولة آبي أحمد، طمأنة مواطنيه، قائلاً على «تويتر» أمس: «إثيوبيا ممتنة للأصدقاء الذين عبروا عن قلقهم... المخاوف من انزلاق إثيوبيا إلى الفوضى لا أساس لها وتأتي نتيجة لعدم فهم أوضاعنا». ويتوقع الدكتور هاني رسلان، خبير الشؤون الأفريقية، بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، «اتساع نطاق القتال»، محدثاً «خلطاً للأوراق في إثيوبيا»، في إشارة إلى الائتلاف الحاكم. وأقال آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019، أعضاء بارزين في إدارته، في محاولة للسيطرة على الأوضاع. ومن بين الذين فقدوا مناصبهم قائد الجيش ومدير جهاز الاستخبارات، ووزير الخارجية، والأخير كان يقود مفاوضات «سد النهضة».ويتوقع أن تحدث الاضطرابات في إثيوبيا تأثيراً على إتمام مشروع «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق، ويثير توترات مع مصر والسودان، الأمر الذي قد يصب في صالح القاهرة. يقول رسلان لـ«الشرق الأوسط»: «إذا استمر القتال، فلن تكون هناك سلطة قوية تستطيع أن تحقق الأهداف السياسية والاستراتيجية من السد»، مضيفاً: «لننتظر إلى أي مدى تتسع هذه الحرب، فلربما تتجزأ إثيوبيا كما حدث في الاتحاد اليوغوسلافي السابق. وتشيد إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، وتتمسك كل من الخرطوم والقاهرة بضرورة الوصول إلى اتفاق «ملزم قانوناً»، يحكم تدفق المياه، وعلى آلية قانونية لحل الخلافات قبل البدء في تشغيل السد، وهو ما ترفضه أديس أبابا.وقبل نحو أسبوع أخفق وزراء الموارد المائية في الدول الثلاث، في التوافق على «منهجية استكمال المفاوضات»، فيما تقرر أن ترفع كل دولة تقريراً منفصلاً للاتحاد الأفريقي، للنظر في كيفية استكمالها، وهو أمر بات مستبعداً في الوقت الراهن، مع استمرار اشتعال الأحداث في أديس أبابا، بحسب مصدر مصري مضطلع، الذي توقع «مزيداً من التأجيل». ولم تنجح المفاوضات، التي تجري بشكل متقطع، منذ أكثر من 9 سنوات، في التوصل إلى اتفاق.وتحظى الاضطرابات في إثيوبيا باهتمام مصري بالغ، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل اتهامات إثيوبية غير رسمية، بـ«تأجيج مصر للاحتجاجات»، ودعاوى مصرية مقابلة بـ«استغلالها».يقول وزير الموارد المائية المصري الأسبق نصر الدين علام، إن «العديد من المناشدات الغربية لمصر لعدم استغلال أحداث إثيوبيا للتخلص من صداع السد». ويضيف مستنكراً: «لا أتذكر نداءً واحداً تم توجيهه لإثيوبيا بعدم استغلال أحداث مصر الداخلية عام 2011 للبدء في بناء السد».وحذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الشهر الماضي، من «تفجير» مصر للسد، في إطار الضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق.ويشكي قادة إقليم تيغراي من استهدافهم وإزاحتهم من المناصب العليا. وارتفعت حدة التوتر عندما أجرت تيغراي انتخاباتها بشكل أحادي في سبتمبر (أيلول)، رغم قرار الحكومة المركزية تأجيل الاقتراع الوطني جرّاء فيروس كورونا المستجد. واعتبرت أديس أبابا أن حكومة تيغراي غير شرعية، ما دفع بالأخيرة لسحب اعترافها بإدارة آبي أحمد.
مشاركة :