يواصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تجاهل التحذيرات الدولية من مغبة جرّ البلاد المنقسمة بشدة عرقيا نحو حرب أهلية شاملة تهدد استقرار منطقة القرن الأفريقي الهشّ. ويؤكد مراقبون أن إصرار آبي أحمد على مواصلة حملته العسكرية بإقليم تيغراي يفتح الباب أمام مواجهات لا نهاية لها مع عرقيات أخرى كإقليم أوراميا الذي باتت قيادته على قناعة بأنها ستكون المستهدفة التالية. أديس أبابا - سعى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى طمأنة المجتمع الدولي الاثنين بأن بلاده لا تتجه نحو حرب أهلية، بالرغم من تصعيد الحملة العسكرية في إقليم تيغراي المضطرب، حيث تتحدث مصادر أمنية عن مقتل المئات خلال الأيام الأخيرة. ويهدد التصعيد في المنطقة الشمالية المتاخمة لإريتريا والسودان بزعزعة الاستقرار في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، حيث أدى الصراع العرقي بالفعل إلى مقتل المئات منذ تولي آبي السلطة عام 2018. وكتب آبي أحمد في تغريدة على تويتر “إثيوبيا ممتنة للأصدقاء الذين يعبرون عن قلقهم. تستهدف عملية حكم القانون ضمان السلام والاستقرار”. وتابع “المخاوف من أن تنزلق إثيوبيا إلى الفوضى لا أساس لها من الصحة، وهي نتاج عدم فهم عميق لمجريات الأمور لدينا”. وتجاهل رئيس الوزراء الإثيوبي دعوات من الأمم المتحدة والحلفاء في المنطقة للتفاوض مع القادة المحليين في إقليم تيغراي، وهو موطن جماعة عرقية ظلت تقود الائتلاف الحاكم على مدى عقود إلى أن تولى آبي السلطة. وذكر مسؤول عسكري في منطقة أمهرة المجاورة أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل نحو 500 من قوات تيغراي بينما ذكرت ثلاثة مصادر أمنية أخرى أن الجيش الإثيوبي خسر المئات خلال دفاعه عن القاعدة. وأطلق آبي أحمد حملة عسكرية الأسبوع الماضي في الإقليم، وقال إن القوات الموالية للقادة هناك هاجمت قاعدة عسكرية وحاولت سرقة بعض المعدات. ويتهم آبي القادة في تيغراي بتقويض إصلاحاته الديمقراطية. وقصفت طائرات حربية حكومية خلال الأيام الماضية أهدافا في تيغراي، بما فيها مستودعات للأسلحة. وعين آبي أحمد الأحد قادة جددا للجيش والمخابرات والشرطة الاتحادية ووزيرا جديدا للخارجية، وهي تغييرات يقول محللون إنها جمعت حلفاء مقربين في مناصب عليا مع تصاعد حدة الصراع. وكان آبي أحمد (44 عاما)، وهو أصغر زعماء قارة أفريقيا، قد فاز بجائزة نوبل للسلام بسبب الإصلاحات الديمقراطية التي تبناها بعد سنوات مرت بها البلاد تحت نظام حكم قمعي، وبسبب اتفاق سلام مع إريتريا بعد حرب بين البلدين أودت بحياة عشرات الآلاف. إلا أن التحول الديمقراطي الذي وعد به معرض للخطر بسبب النزاع في تيغراي. ويقول الزعماء في تيغراي إن آبي أحمد، وهو من الأورومو أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، استهدفهم بطريقة غير عادلة ضمن حملة على انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في الماضي. ويؤكد محللون أن قوات جبهة تحرير شعب تيغراي، وهي الجبهة التي تحكم الإقليم، هي قوات متمرسة على القتال في المعارك، وتمتلك مخازن ضخمة من المعدات العسكرية. وبحسب المجموعة الدولية للأزمات، يصل عددهم مع حلفاء آخرين في الإقليم إلى 250 ألف مقاتل. وفي تصريح تلفزيوني دعا رئيس منطقة تيغراي دبرصيون جبراميكائيل الاتحاد الأفريقي إلى “لعب دوره لمنع إثيوبيا من الانجرار إلى دوامة تؤدي إلى حرب أهلية”. وارتفعت حدة التوتر عندما أجرت تيغراي انتخاباتها بشكل أحادي في سبتمبر، بعدما قررت أديس أبابا تأجيل الاقتراع الوطني جرّاء تفشي فايروس كورونا. واعتبرت أديس أبابا أن حكومة تيغراي غير شرعية، ما دفع الأخيرة إلى سحب اعترافها بإدارة آبي أحمد. وقطعت الحكومة الفيدرالية التمويل عن المنطقة ما اعتبرته جبهة تحرير شعب تيغراي ‘عملا حربيا”. وأصبحت المنطقة التي لعب فيها آبي أحمد دور صانع سلام رفيع المستوى في خطر بعد تحذيرات من توسع نطاق المواجهة الداخلية لتشمل الدول المجاورة. وتشمل هذه الدول المجاورة الصومال الذي بدأت القوات الإثيوبية الانسحاب منه للعودة إلى الوطن، والسودان الذي يواجه انتقاله السياسي الضخم، فيما لم تظهر إريتريا المجاورة سوى القليل من علامات الانفتاح على إثيوبيا ولم تتوافق حكومتها مع تيغراي. ويحذر المراقبون من أن الصراع قد يجذب هذه البلدان ومعها واحدة من أكثر المواقع العسكرية الاستراتيجية في أفريقيا، حيث تمتلك العديد من القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، قواعدها العسكرية الوحيدة في القارة بجيبوتي.
مشاركة :