«وقائع بوليسية في السينما» فك اشتباك بين الأمن والإبداع

  • 8/14/2015
  • 00:00
  • 47
  • 0
  • 0
news-picture

الفيلم السينمائي عموماً، وفي مصر خصوصاً، هو وسيلة اتصال جماهيرية ذات ثقل لا يُستهان به من حيث التأثير في الرأي العام، لذلك نلاحظ كيف أن عدداً غير قليل من الأفلام المصرية التي عُرضت خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين ومن حولهما، أتى ليتناول جانباً ملحوظاً من الوقائع الأمنية. فكانت أفلاماً ذات تأثير ظاهر في صورة أجهزة الأمن والعاملين فيها في عيون المواطن المصري (المُتفرج على هذه الأفلام) بما يمكن أن يشكل هذا الفكر على نحو ما تجاه هذه الأجهزة الأمنية والعاملين فيها. ووفق الكاتب المصري ناجي فوزي في كتابه الجديد «وقائع بوليسية في السينما: فك الاشتباك بين الأمن والإبداع»- الهيئة العامة للكتاب)، إذا كان هناك ما يمكن أن يُسمى «الجدلية الأمنية» التي تعني أنه رغم أن الأصل في جهاز الأمن أنه جهاز منوط به تحقيق «السلام الاجتماعي» إلا أنه في الوقت ذاته «جهاز تصادمي»، فإنه من المرجح أن الاقتراح بحل ذي طابع «معرفي» لتعقيد العلاقة بين كل من حرية التعبير الفني من جهة ومسؤوليات الأجهزة الأمنية في مجتمع ما من جهة أخرى ليس بالأمر اليسير، ويعتبر أنه من المرجح أيضاً أن الاجتهاد البحثي في هذا المجال من شأنه أن يمهد الطريق نحو فك الاشتباك التقليدي بين الأمن والإبداع، هذا الاشتباك الذي تمكن ملاحظته في غالبية بلاد العالم، بما يتيح لمثل هذه المجتمعات أن تبتعد عن «الحل الرقابي» على الإبداع بمفهومه ذي الطابع الأمني، اقتراباً من «الطرح الإبداعي» بما يلازمه بالضرورة منحى ثقافي مشمول بالوعي الفكري، «بديلاً معرفياً حضارياً» للرقابة بكل أشكالها على كل الإبداع والتلقي معاً. ومن ثم فإنه مهما تـــتمادى الأفلام السينمائية التي تنتقد الجهاز الأمني في خشونة نقـــدها، من المرجح ألا يؤدي ذلك إلى توسيع الفجوة التقليدية بين المواطن وبين هذا الجهاز، بل من الممكن أن يؤدي إلى طرح الوعي بضرورة مراقبته ومحاسبته طبقاً للقانون. توازنات داخلية وعن فكرة التوازنات الداخلية في الأفلام، يشير فوزي إلى أنها التوازنات التي يمكن أن تتصف بالافتعال، أو الاصطناع غير المبرر وغير الموضوعي، فهي توازنات مصطنعة بغرض تحاشي التصادمات الرقابية المحتملة تجاه محتوى الفيلم الذي يتصل موضوعه بتناول نظام الحكم في الدولة أو سلطاتها السياسية أو القضائية أو التنفيذية، (حيث يسري ذلك أيضاً على الأفلام التي تتناول المسائل المتعلقة بالجنس أو العقائد الدينية، وهو خارج مجال الكتاب)، ومن هذه الأفلام: «ليل وقضبان»، «العصفور»، «زوجة رجل مهم»، «الهجامة»، «ملف في الآداب»، «الإرهاب والكباب»، و«الامبراطور». أما التوازنات ذات الطابع الموضوعي، فمن شأنها أن تحقق الهدف الموضوعي الأول لها وهو الإشارة إلى الصدق الفني للنماذج الدرامية السلبية بالتناظر مع النماذج الإيجابية في العمل الفيلمي ذاته. ومن هذه الأفلام: «اللعب مع الكبار»، «الهروب»، «التحويلة»، «في بيتنا رجل»، والفيلم الروائي القصير «الجريمة». وهناك أفلام تتناول الوقائع البوليسية من خلال معالجة موضوع انحرافات رجال الأمن عموماً، على مستوى الفيلم كله أو بصفة جزئية من خلال جانب من أحداثه، وهي أفلام لا تستخدم فكرة التوازن بين الصلاح والفساد في جهاز الأمن، سواء لأن موضوع الفيلم لا يتطرق إلى فكرة التوازن ذاتها بصفة مطلقة في أي من جوانب العمل الفني ومن هذه الأفلام: «القبطان»، و «يوميات نائب في الأرياف». ويضيف فوزي: «إنه إذا كان من المفترض أن «المحتوى الفيلمي» هو الذي يحتل المقام الأول في التأثير على المُشاهد/ المتلقي، في ما يتعلق بموقف الأفلام السينمائية من فكرة نقد السلطة السياسية، إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك دوراً مؤثراً يؤديه «النقد السينمائي» في هذا المجال. فإذا كان للمحتوى الفيلمي تأثيره المباشر الفوري المفترض على المتلقي، بافتراض عدم وجود مؤثرات سابقة، فإن للنقد السينمائي تأثيره غير المباشر لكنه مهم جدًا، على ذات المتلقي، سواء كان احتكاك المتلقي بالمادة النقدية سابقاً على مُشاهدة العمل الفيلمي، فيكون بمثابة «المقدمة التمهيدية الكاشفة» للمتلقي قبل هذه المشاهدة، أو كان هذا الاحتكاك لاحقاً للمشاهدة فيكون بمثابة «المفسر» لما رآه المُشاهد، وسوف يكون هناك نوع من التأثير في المتلقي، سواء عن طريق الاتفاق بين هذا المتلقي ومضمون المادة النقدية، أو حتى عن طريق الاختلاف مع هذا المضمون النقدي». منظور أيديولوجي والنقد السينمائي في مصر عندما يتعرض للأفلام التي تتضمن جانباً من الوقائع البوليسية، سواء ما يتصل منها بنشاط أجهزة الأمن أو ما يتصل بحياة العاملين فيها وتصرفاتهم، فإنه في جانب ملحوظ منه يتسم بالميل إلى نقد هذه الأفلام من خلال «منظور أيديولوجي» يرتبط في الغالب بالاتجاهات الفكرية أو الميول السياسية الخاصة بجانب ملحوظ من مجموع النقاد السينمائيين في مصر. ويؤدي هذا الاتجاه بالضرورة إلى قراءة الأفلام بصفة عامة من خلال منظور معين يتواءم مع هذه الميول السياسية أو الاتجاهات الفكرية، والمثال النموذج لذلك فيلم «زوجة رجل مهم» إخراج محمد خان- 1988-، والذي أثار جدلاً نقدياً كبيراً، حيث يرى المؤلف أن الاختلافات في الرؤى النقدية حول فيلم معين ليست علامة خطر أو إشارة إلى قصور ما، بقدر ما هي علامة ثراء مزدوج في أغلب الأحوال، فمثل ذلك يحمل الإشارة إلى مسألة ثراء الفكر النقدي ذاته كما أنه – في الوقت نفسه- دليل على ثراء العمل الفني في أحيان كثيرة. ويلفت الكاتب إلى أننا نستطيع ملاحظة اختلافات الرؤى النقدية حول الوقائع البوليسية في الأفلام المصرية تتجلى في أغلبها حول الفكرة الأساسية لدراما العمل الفيلمي (الروائي)، بحيث يمثل الاختلاف هنا نوعاً من التضارب النقدي الذي من شأنه التأثير على قارئ المادة النقدية، فيأخذ هذا القارئ موقفاً مُسبقاً أو لاحقاً من المحتوى الدرامي للفيلم قد لا يتناسب مع حقيقة هذا المحتوى، ويوجد عدد غير قليل من الأفلام المصرية التي يتحقق فيها مثل هذه الاختلافات النقدية، يبرز منها أفلام: «الهجامة»، «الامبراطور»، «التخشيبة»، «ملف في الآداب»، «البريء».

مشاركة :