لعل المشكلة التي تفرض ذاتها من خلال البحث في العلاقة بين السينما المصرية وجهاز الأمن الداخلي هي مجموعة من الظروف تتجمع في آن - ومن أهمها الموروثات الرقابية – التي تجعل من رجل الشرطة موضوعاً لفكرة «التوازنات» التي تلجأ إليها أفلام سينمائية عند اقترابها من بعض الموضوعات ذات الطابع العام، بخاصة ذات الصبغة السياسية. كما أن ثمة سلطات مختلفة تفرض عدداً من «التوازنات» على الإنتاج السينمائي المصري، وفي مقدمها (رقابة الدولة - سعي المنتج إلى الربح - متطلبات واحتياجات السوق - تصورات حركة النقد السينمائي - متطلبات النجوم - إمكانات صناع الفيلم المصري)، ومن ثم كان ضرورياً للوقوف على حقيقة علاقة السينما المصرية بجهاز الأمن الداخلي في مصر أن يتم البحث في ذلك عبر إعادة قراءة صورة رجل الأمن على شاشة السينما المصرية... وهذا ما يقدمه للقارئ الدكتور ناجي فوزي - وهو لواء شرطة سابق درس الإخراج والتصوير السينمائي وله دراسات وأبحاث عدة في مجال السينما - والتي احتواها كتابه «وقائع بوليسية في السينما... فك الاشتباك بين الأمن والإبداع» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب. يقول فوزي: «كان لقضية الحرية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم نصيب مؤثر منذ بدايات إنتاج السينما المصرية فقد أنتجت شركة مصر للتمثيل والسينما - التي أسسها طلعت حرب عام 1935 - فيلماً احتل موقعاً مهماً في تاريخ السينما المصرية بما يتناسب مع قيمته الفنية من جهة ومع أطروحته الفكرية من جهة أخرى وهو فيلم «لاشين» الذي أخرجه فريتز كرامب عام 1938 والبطولة لحسين رياض وحسن البارودي، والذي تم منع عرضه على شاشة التلفزيون المصري لسنوات طويلة. ويشير المؤلف إلى أن السينما المصرية قدمت عدداً من الأفلام التي اتجهت إلى تناول عدد من القضايا الاجتماعية والفكرية المهمة تناولاً جريئاً يحسب لها في ظل ظروف إنتاجها ومنها أفلام «النائب العام»، «الدكتور»، «ليل وقضبان»، «الكرنك»، «الهروب» و «كتيبة الإعدام». ويلاحظ أن السينما المصرية اتجهت خلال عقود سبعينات القرن العشرين وثمانيناته وتسعيناته إلى تناول شخصيات رجال الأمن من منظور يميل أكثر إلى الواقعية، وفي مرحلة أخرى متقدمة من نضج الفكر السينمائي تعرضت فيها السينما المصرية إلى الانحرافات الوظيفية والحياتية معاً لرجال الشرطة، وبينها على سبيل المثل لا الحصر أفلام «القاهرة 30»، «غروب وشروق»، «المواطن مصري»، «التحويلة»، «البريء» و «ملف في الآداب». ويبين الكاتب أن الرقابة على المنتج الفني بصفة عامة هي متعددة المصدر والشكل والهدف أيضاً، كما أن الاختلافات الفكرية القائمة حول ضرورتها بل وشرعيتها أيضاً هي كثيرة وذات أبعاد تاريخية... غير أننا نستطيع ملاحظة أن عدداً غير قليل من الأفلام التي تتضمن الوقائع الأمنية في مصر تتعرض لنوع من الرقابة المزدوجة عليها ويمر الفيلم السينمائي من خلال خضوعه لرقابة وزارة الداخلية بالمراحل ذاتها التي يمر بها من خلال جهاز الرقابة على المصنفات الفنية تقريباً، بدءاً من السيناريو وانتهاءً بنسخة الفيلم الجاهزة للعرض العام على الجمهور، مع ملاحظة أنه مع تقدم المجتمع في درجة وعيه الفكري سياسياً واجتماعياً، ومن ثم تقدم في درجة ثقافته العامة فإن تأثير الأفلام التي تنتقد جهاز الأمن العام مهما تمادت في خشونة نقدها لن يكون من شأنه توسيع الفجوة التي بين المواطن ورجال الأمن وإنما يؤدي إلى طرح الوعي بضرورة مراقبة هذا الجهاز والعاملين فيه ومحاسبته طبقاً للقوانين التي يعمل بظلها.
مشاركة :