هل تعزز مؤسسات التعليم العالي فرص العمل لدى الطلبة؟

  • 11/11/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ذهبت إلى أحد المستشفيات منذ عدة أيام، وقامت الممرضة باستخدام الأدوات اللازمة للعلاج. فوجئت بضعف قدرتها على التواصل معي، وكأنها تمارس هذه المهنة لأول مرة في حياتها. فسألتها عن شهادتها، فوجدتها تخرجت من إحدى البلاد العربية. ثم تحدثت مع الطبيب لنجد معاً الفرق الشاسع بين الممرضات باختلاف مكان تخرجهن. وهنا وجدت أن علي الحديث عن دور مؤسسات التعليم العالي في تعزيز فرص العمل لدى الطلبة. هناك سبعة مستويات لتعزيز مهارات الخريجين ليكونوا جاهزين للعمل. تعمل معظم مؤسسات التعليم العالي على رفع مستوى كفاءة الخريج من الناحية الأكاديمية، أما بعض الجامعات الأخرى فتركز على رفع المستوى الشخصي بجانب المستوى الأكاديمي إلا أن هذا لا يكفي، وذلك لوجود مهارات تخصصية أو مهنية أخرى يجب تعزيزها خلال فترة الدراسة الجامعية. سيتم التطرق إلى المستويات السبعة بما في ذلك مهارات القرن 21، علما بأن معظم ما ينشر عن هذه المهارات هو ترديد لقشور من هذه المهارات من دون ذكر فروع وتفصيل كل مهارة أو كفاءة. المستوى الأول: هو المستوى الأساسي لعملية التوظيف، وهو مستوى كفاءات الفعالية الشخصيةPersonal Effectiveness Competencies . يضم هذا المستوى معظم مهارات القرن 21 وهي مهارات التعامل مع الآخرين، النزاهة والإخلاص، المهنية، المبادرة، الموثوقية، المرونة والتكيف مع بيئة العمل، والتعلم مدى الحياة. ولنأخذ بعض الأمثلة لفهم أهمية هذه الكفاءات. يفتقر بعض الطلبة إلى تطوير الذات بقراءة المواد العلمية المتعلقة بمجال العمل، فتجده يرجع في كل صغيرة إلى مسؤوله المباشر، ما يفقده صفة الاعتماد عليه، ولا يكون بذلك موثوقا به أو جديرا بالثقة، أو أنك قد تجد الخريج غير مبادر وينتظر الأوامر المباشرة من مسؤوله، وكم نسمع عن البطالة المقنعة والتي نرى فيها مجموعات كبيرة من الموظفين غير الفعالين، حيث لا يعملون إلا بأمر مباشر. وأشير هنا إلى أهمية تأصيل هذه المهارات أو الكفاءات من المراحل الأولى في المدرسة، ثم تطويرها في المراحل الجامعية.المستوى الثاني: هو مستوى الكفاءات الأكاديميةacademic competencies . تنتهج كل الجامعات بناء هذه الكفاءات، ولا يختلف اثنان على أهميتها. ولكن للكفاءات الأكاديمية أصول يجب تحقيقها، مثل مهارات القراءة والكتابة، وعلم الرياضيات والمنطق، والعلوم والتكنولوجيا، ومهارات الاتصال، ومهارات التفكير النقدي، ومهارات الحاسوب. وإليكم بعض الأمثلة.. قد تستمع لخريج تخصص بكالوريوس في الشريعة يمتهن مهنة الخطابة وهو لا يحسن التحدث مع الناس أو التأثير فيهم. وقد تجد مهندسا لا يحسن مهارات المنطق الرياضي في حساب قوة ضغط المضخة مثلا. تجد بعض المحاسبين لا يحسنون استخدام الأنظمة التقنية، مثل الأنظمة المحاسبية. وتجد بعض خريجي اللغويات أو اللسانيات لا يحسنون التواصل مع الجمهور، مع أن الخريج سواء كان مترجماً أو كاتباً أو مدرساً يحتاج بشكل كبير إلى مهارات التواصل. جدير بالذكر أن مهارات التواصل تضم مهارات التحدث، والعرض، والمناقشة، والمناظرة، والإقناع، وكتابة التقارير الدورية أو التقارير الفنية، الخ. وقد ذكرت الفروع لأهمية فهم ما نعنيه بمهارات التواصل وما يهمنا منها في ضوء التخصص الأكاديمي أو المهني. المستوى الثالث: هو كفاءات مكان العملworkplace competencies وتضم مجموعة كبيرة من المهارات. فلا ينجح شخص بدون مهارات العمل ضمن فريق والتعاون مع الغير. كما لا نتوقع نجاح مؤسسة وأفرادها لا يحسنون التعامل مع الزبون. فكلنا يرغب في الذهاب إلى محلات بعينها لحسن تعامل الموظفين. كما لا تتصور طبيبا من دون مهارات التخطيط أو القدرة على التخطيط، فخطأه في التشخيص أو ضعفه في وضع خطة علاجية لا يحقق المراد من وجود الطبيب لعلاج المريض. كما أن الممرضة التي لا تحسن استخدام أدوات العمل في مكان العمل تعتبر غير ناجحة. إن لكل وظيفة أخلاقيات للعمل أو علوما خاصة للأمن والسلامة. وافتقار المهندس إلى تلك العلوم العملية أو جهله بأخلاقيات مكان العمل أو للقوانين الخاصة بالوزارة المعنية لا تجعل منه مهندساً ناجحاً، كما يجب على خريج تخصص القانون أن يتحلى بمهارات اتخاذ القرار، ومهارات التدقيق والفحص والتسجيل، وإلا سيكون تكراراً لكثير من الخريجين العاجزين عن التطوير أو إيجاد الحلول. إن تحقيق هذا المستوى من المهارات أصعب من سابقه، وخاصة إذا حصرنا تدريس تلك المهارات أو تحقيقها داخل السور الجامعي. وقد أثبتت تجربة عمل الجامعات في ألمانيا بنظام «التدريب المهني apprenticeship نجاحها، حيث يعمل الطالب ما لا يقل عن سنة في مكان العمل كجزء من استكمال متطلبات التخرج. وتخيلوا الفرق في المهارات بين طالبين أحدهما قد تدرب مدة شهر ونصف الشهر في مكان العمل، والآخر تدرب وامتهن المهنة لمدة سنة كاملة. تساءلت كثيراً لماذا لا يعمل طالب الهندسة كجزء من دراسته في المكاتب الهندسية أو الشركات الصناعية أو الوزارات المعنية. هل الصعوبة تكمن في اعتقادنا أن ذلك غير ممكن؟ ألم نجد صيغة لعمل طلبة الطب داخل المستشفيات، مع أنها تعتبر أصعب من غيرها في كثير من الجوانب، إلا أن الإرادة أو الحاجة جعلت سبل الوصول إليها ممكنا. المستوى الرابع: الكفاءات التقنية على مستوى الصناعة Industrial-Wide Technical Competencies. ويتم تحديد تلك المهارات بالتعاون مع ممثلي الصناعة بشكل مباشر. تحتاج قطاعات الصناعة بشكل عام إلى الالتزام والصبر، والعمل بحرفية، وإيجاد الفرص التنافسية العالمية. كما أن فكر التطوير المستمر continuous improvement واتخاذ القرار المعتمد على الدليل Evidence Based Decisions لم يعد مختصراً على تخصص ما، بل أصبح أساساً وفكراً في كل المجالات وخاصة المجالات الصناعية. ونؤكد أهمية تواصل الجامعات مع المتخصصين من قطاع الصناعة لتحديد تلك الكفاءات، لتمتزج المهارات بجميع مستوياتها وبمساهمة جميع أطرافها. المستوى الخامس: هو مستوى القطاعات الصناعية المتخصصة Industry Sector Technical Competencies، حيث يمتاز كل قطاع بكفايات أو مهارات تخصصية في مجال العمل يختلف فيه عن غيره. فمثلاً، يجب على المهندس المدني الذي يعمل في وزارة الأشغال أن يكون عارفاً بجميع المعايير الخاصة في البحرين والمتعلقة بالبيئة والمواد والأمن والسلامة. كما يجب على المتخصص في مجال الغذاء أن يكون عارفاً بالمعايير الخاصة والعالمية، وأن يكون عالماً بإدارة الغذاء والتسويق له. وكما قلنا سلفاً، يجب الاجتماع مع ممثلي القطاع ليتم إضافة المهارات الخاصة داخل المنهاج الأكاديمي، والذي قد يكون داخل أو خارج البيئة الجامعية.  المستوى السادس: مستوى الكفاءات الإداريةManagement Competencies  وتتضمن مهارات التفويض، والمتابعة، والتخطيط، وإدارة الأزمات، وبناء الفرق، وتوزيع المسؤوليات، وإدارة الاجتماع، ووضع رؤية المؤسسة وإدارتها، ومهارات التحكم والضبط، الخ. كل تلك المهارات مهمة أيا كان التخصص أو مكان العمل. المستوى السابع: مستوى المتطلبات الخاصة بالمهنةCareer Specific Requirements . يتم وضعها عن طريق ممثلي المهنة مثل الجمعيات المهنية المتخصصة كجمعية المهندسين أو التربويين أو الأطباء. فعندما تجتمع الجامعة مع نخبة متخصصة للتشاور على وضع المهارات الخاصة بالوظيفة، فسيتم وضع المهارات الإضافية الخاصة بالمهنة. الاجتماع مع الجمعيات المهنية ينتج مهارات عادة تكون مختلفة عن المهارات التي يتم تحديدها مع ممثلي الصناعات التخصصية. ختاماً، يجب العمل على بناء النموذج الخاص بمؤسسات التعليم العالي لرفع فرص التوظيف لدى الخريج. هذا المنهاج لا يكتمل إلا بوجود جميع الأطراف المعنية لوضع المهارات بفروعها ومستوياتها. التحدي كبير والإرادة المشتركة بين الجامعة والصناعة لازمة في رفع فرص العمل للخريج. ولم يعد التغني بمهارات الواحد والعشرين مجدياً، فيجب العمل على إيجاد النموذج المتكامل لجميع التخصصات كتخصص الطب داخل المستشفيات. ‭{‬ الخبير الدولي في جودة التعليم العالي 

مشاركة :