كانت تتراءى لي آسية جبار (آسية التي تواسي وليس آسيا) وأنا أقرأ روايتها (بوابة الذكريات)، أو السيرة الذاتية المتخيلة التي كتبتها بالفرنسية، تحت عنوان (لا مكان لي في بيت أبي)، امرأة عظيمة متفردة ومختلفة، حققت على أرض فرنسا، وبلغة (موليير) ما لم تحققه نساء فرنسا مجتمعات، ونالت من المجد والتكريم ما لم تنله امرأة عربية، وبرغم ذلك كنتُ أشعر بها وحيدة وهي تطرد ذاكرتها بعيداً. تبدو الوحدة شعوراً واضحاً في تفاصيل طفولة وشباب آسية، خاصة إذا قرأتها بقلبك، محاولاً تفكيك تلك اللحظات التي تومض بها ذاكرتها الانتقائية واللاواعية معاً، بكل حمولة تلك الذاكرة الخاصة بامرأة كتب عليها أن تحمل هوية الميلاد والقدر، وهوية فرنسية بديلة ستقرأ وتفكر وتحلم بها، وسترتديها لاحقاً معطفاً باريسياً أنيقاً سيصبح قدرها وسر خلودها! لقد ظلت آسية شامخة (ترزح) تحت ذلك المعطف حتى عادت لمعطف هويتها مجدداً يوم ووريت ثرى الجزائر عام 2015. لقد حققت آسية لنفسها مجداً وضعها في قائمة (الخالدين) في الأكاديمية الفرنسية العريقة، بعد أن شقت طريقاً صعباً سار بها وحيدة، وإن كانت عظيمة، جذورها في بلدها الجزائر، وأحلامها هناك في فرنسا، لم تستطع أن تكون جزائرية بعقلها، ولا أن تكون فرنسية بقلبها ووجدانها، هكذا كانت الوحدة قدرها وحياتها! لقد أحبت آسية عروبتها، وإن لم تتحدث العربية، وكانت مسلمة متدينة، فهل كانت مشكلتها أنها ولدت في الفترة الكولونيالية الاستعمارية ؟هل لأنها تشرّبت اللغة والثقافة الفرنسية منذ طفولتها بفضل والدها أستاذ الفرنسية ومدرسة الراهبات الداخلية، هل لأن نبتة التمرد تسامت في داخلها دافعة بها إلى فضاءات التحرر؟ ربما، لكن الأكيد أن تمرد آسية قد حصل مذ شعرت أنه (لا مكان لها في بيت أبيها)!طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :