إذا كان هناك من يجد نفسه غير مرتاح في التعامل مع موسكو، ويحرك ذلك في ذاكرته صورة سوفييتية قديمة، فإنه يستطيع أن يجد بعض العزاء في أن حلفاء موسكو بدورهم مضطرون للتعامل مع واقع ينبههم إلى أن روسيا ليست الاتحاد السوفييتي. وتفرض الواقعية لدى النظر إلى هذه الفروق رؤية فرصة سانحة؛ ففي هذا الوقت، بالذات، تجري عملية انتخاب طبيعي للقوى المرشحة لاكتساب وزن دولي مؤثر وممثل في قمة مؤسسات المنظمة الدولية، وقد يكون الملف السوري الحرج واحداً من بوابات الدخول إلى هذا المعترك، الذي يتيح للقوى ذات الحجم الإقليمي حجز مكانة بوزن دولي. لقد رأينا حتى وقت قريب نفس الدور يؤديه الملف النووي الإيراني، وكانت تركيا أول من استخدمه لطرح نفسها على الساحة الدولية، ثم راقبنا كيف تحول الاتفاق بشأن هذا الملف إلى عملية تظهير دور دولي لطهران؛ ونرى اليوم أن كلاً من تركيا وإيران لا تفوتان فرصة لاكتساب مكانة بوزن دولي من بوابة الملف السوري، فأنجزتا أول هدنة بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة، وتحتها فتح خط للتفاوض الميداني، الذي ليس من المستبعد أن يتطور على يدي الدولتين لاحقاً إلى مسار سياسي. وزيادة على ذلك، تصر طهران على الترويج لبنود خطتها بشأن الأزمة السورية، التي قد تتحول إلى مبادرة سياسية، تُدخلها قائمة الدول الراعية للترتيبات الدولية لمنطقتنا. وهنا، خريطة الأوزان والحجوم تتحدد في المقدرة على تمرير أو اجتراح حل يحظى بقبول دولي. وأن في خلفية العقل الروسي البحث عن شركاء إقليميين عرب، يسهمون في الحل، ويكونون لاحقاً ممثلين للإقليم لدى إعادة هيكلة النظام العالمي. وتنظر موسكو إلى الرياض باعتبارها المرشح الأبرز، لا سيما أن القلق العربي من إعادة تأهيل طهران دولياً يعزز الحاجة إلى معادل موضوعي عربي.
مشاركة :