تأكد لنا في الحلقة الماضية خطأ مفسري القرآن الكريم بربط ملك اليمين بأسيرات الحروب، وذلك لأنّهم جردوا مدلولات هذا المصطلح من سياقها، ووقع علماء معاصرون في خطأ العلماء القدامى بقبولهم لتفسيرهم ، فلم يُعملوا عقولهم لفهم سياق الآيات ومدلولاتها، فليس من المعقول أنّ الله يبيح حرامًا، ويُجمع علماء معاصرون- كما قال الدكتور محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر- بحرمته لصدور أنظمة دولية تُحرّمه! إنّ التّحليل بالسياق يُعدّ وسيلةً من بين وسائل تصنيف المدلولات، وفهم الآيات القرآنية، وهذا يتطلب عرض اللّفظ القرآنيّ على موقعه لفهم معناه ودفع المعاني غير المرادة. وللسّياق أنواع كثيرة منها السّياق المَكاني ويعني سياق الآية أو الآيات داخل السّورة، والسّياق الزّمنيّ للآيات، أو سياق التّنزيل، والسّياق المَوضوعيّ وهو الآيات التي يجمعها موضوع واحد، والسّياق المَقاصديّ ومعناه النّظر إلى الآيات القرآنيّة من خلال مقاصد القرآن الكريم، والسّياق التّاريخيّ، وهو سياق الأحداث التّاريخيّة القديمة التي حكاها القرآن الكريم والمُعاصرة لزمن التّنزيل، والخاصّ هو أسباب النّزول، والسّياق اللّغويّ وهو دِراسةُ النصّ القرآنيّ من خلال علاقاتِ ألفاظِه بعضها ببعض والأدواتِ المستعملة للرّبط بين هذه الألفاظ، وما يترتّب على تلك العلاقات من دلالات جزئية وكلّية[د.عبد الرحمن بودرع: أثر السياق في فهم النص القرآني، ورقة عمل مقدمة لندوة “الخطاب القرآني: البنية والفهم والاستنباط”،أشرف على تنظيمها مختبر “الخطاب وقضاياه” بكلية الآداب-سايس فاس(جامعة سيدي محمد بن عبد الله). ولنطبّق هذا على مصطلحات» ملك اليمين»،» أزواج»،» المحصنات» ولنبدأ بمصطلح» ملك اليمين»، وهو مصطلح قرآني، مكوّن من كلمتيْن، هما» ملك» و»يمين».و»اليمين» جاء في آيات عديدة، منها: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون). من هذه الآيات وغيرها يتبيَّن لنا ان الأيمان هو الحلف والقسم بالله والعهد على الالتزام بما حلف عليه ويستطيع المسلم اذا حنث بيمينه أن يُكفر عنه بصدقة أو صيام، أو عتق رقبة. إذًا معنى(ما ملكت أيمانكم)هو الشخص الذي أقسمتم اليمين بالله أن تكونوا أمناء عليه، وقد يكون هذا الشخص زوجاً، أو زوجة، أو أولاداً، أو من تكلفون برعايتهم وحمايتهم من أطفال ويتامى، ولا تملكون أجسادهم ببيع وشراء، وإنّما تملكون حق حمايتهم ورعايتهم والإنفاق عليهم باليمين الذي أقسمتم على ذلك. والذي يؤكد صحة هذا المعنى، أنّه لم يرد « ملك اليمين» ولا في آية واحدة من الآيات التي تحث على العتق، ولهذا دلالته: وهي أنّ ملك اليمين لا تعني المماليك من العبيد والجواري. إذًا ماذا تعني؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة . suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :