الشعوب التي تصادق الكتب ستكون بخير مهما كانت الظروف

  • 8/15/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

وصف الكتاب بالكثير من الصفات، وبالتالي يعد من أبرز وسائل التغيير والتحفيز للشعوب في صعودها نحو التطور والرقي، في مختلف المجالات. السؤال الأهم هل القارئ لأي كتاب يقف عند متعة القراءة وحسب؟ دون محاولات الفهم والوصول لعمق مضمونه ، في حلقات – قصتي مع كتاب – نستضيف شخصيات بارزة في مجالها، لتروي لنا حكايتها مع الكتاب، ونجول معها في مضامينه المعرفية، في رحلة ماتعة من التأثير وقصص التحولات الفكرية. حيث تقول لنا الروائية والكاتبة السورية لينا هويان الحسن خلال حوارها ان الكلمة وُجدت لتخدم الإنسان مؤكدة على ان مهمة الادب هي التنوير بكل ما للكلمة من معنى، فإلى الحوار: * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك ؟ - الكتاب، رفيقي المبكر في حياتي. وقعت في غرام الورق الأبيض بشكل نهائي، حتى اختيارنا لكتاب بعينه نُؤثره على غيره، يعني أننا بلغنا شكلا من أشكال النضج، الأمر يشبه الحب، أي ارتباط يتحقق نتيجة انجذاب عاطفي مبهم، وإلا كيف لي أن أفسّر تأبطي لكتب لا أتخلى عنها، كتب إذا ما ابتعدت عني أشعر بالشوق والحزن إذا لم تكن على رفوف مكتبتي. مثل "الكونت آلمازي" بطل رواية المريض الانكليزي أو "فلورنتينو إريثا" بطل رواية الحب في زمن الكوليرا ، تتزاحم الكتب في ذهني إذا ما قررت الاختيار، فالقائمة طويلة واذا ما فضلت كتابا بعينه سأشعر بشعور الخائن أحسّ أني أخون نفسي ، خلال فترة مراهقتي عشت بين أبطال من ورق أحببتهم جميعاً ، ولابد من اعترافٍ صغير في هذا الشأن: كانوا غالبيتهم من الروس، فقد تفتحت على قراءة الأدب الروسي. ذلك بسبب مصادفات عديدة أولها: مكتبة المدرسة التي كنتُ أدرس فيها، كانت مدججة بكتب الأدب الروسي. مبكراً تعرفت على عوالم تولستوي الثرية، وأبطال تشيخوف المتألمين. أحببت بشكل خاص رواية ألكسندر غرين، كان عنوانها " الأشرعة الحمراء". حيث كانت بطلتها فتاة صغيرة تعيش في ميناء بحري بعيد وكل يوم تجوب الميناء منتظرة سفينة أشرعتها حمراء، مع الوقت سخر منها الجميع إلى أن لاحت ذات يوم في الأفق سفينة أشرعتها حمراء، منذ ذلك الوقت عرفتُ أن الاحلام تشترط الصبر لتتحقق. أيضا في ذلك الوقت عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، قرأت رواية "بطل من هذا الزمان" لليرمنتوف" وتعرفت على بطله الاستثنائي:بتشورين، منذ ذلك الوقت تعلمت التصالح مع نفسي مع عيوبي قبل ايجابياتي ، أما في مجال القصة القصيرة، فمع أن الشائع عالميا أن تشيخوف هو سيد القصة اقصيرة دون منازع إلا أنني اكتشفت أعمال الكاتب الروسي "بونين" تحديدا مجموعته القصصية التي تحمل عنوان: "الدروب الظليلة"، إنه نص رائع، وساحر، قائم على التقاط جماليات صغيرة يومية عندما تجتمع تصنع عالما متكاملا. أيضا تعرفت على أعمال ألكسندر كوبرين تحديدا مجموعتها الشهيرة :" سوار العقيق". أيضا من المصادفات السعيدة في حياتي المبكرة أن صديقتي في ذلك الوقت كانت الأخت الصغرى لمجموعة من الشبان والشابات المثقفين بامتياز، حيث حوى منزلهم مكتبة ضخمة. ضمّت أهم أدبيات العالم حيث تعرفت على الأدب الفرنسي مثل ستندال واميل زولا وسارتر وكامو، وحتى تكتمل حظوظي بالقراءة، اخترت دراسة الفلسفة في كلية الآداب في جامعة دمشق. وتحولت يومياتي إلى رحلة متنوعة من القراءة وتنقلت بين مكتبات دمشق الشهيرة. مثل مكتبة الظاهرية المكتبة القائمة في بناء أثري يعود للعصر المملوكي، في قلب مدينة دمشق الأثرية. كل يوم توجب علي قطع مسافة رائعة بين المحلات التجارية لسوق الحميدية المقبب الطويل وذلك مشيا على الأقدام حيث ممنوع دخول السيارات. لم أنس يوما أسماء الكتب التي قرأتها في تلك المكتبة حيث كنت أقضي معظم يومي فيها، وحده الجوع يخرجني منها. مازالت طعمة القهوة التي أشتريها من البائعين الجوالين شتاءً، في فمي، أما في الصيف فإني أركن الكتاب جانباً وأخرج من المكتبة للتنفس قليلا كاستراحة لأكون على موعد مع الشراب البارد من بائع العرقسوس، لأعود بعد ذلك إلى رحلة القراءة ، بعد ذلك افتتحت المكتبة الوطنية بدمشق، وأصبحتُ أقضي أياماً طويلة هناك، وقد ساعدتني الوثائق الموجودة في المكتبة لكتابة ما أعتبره أهم أعمالي: روايتي "سلطانات الرمل". أتذكر أني قضيت عدة أيام أنبش في مجلدات ضخمة تضم ببيبلوغرافيا لوثائق أيام الوحدة مع مصر وسورية لأعثر على الوثيقة الجائرة بحق العشائر بسورية والتي أصدرها عبدالناصر في بداية الخمسينات وكانت بمثابة إلغاء قانون العشائر وذلك ترتب عليه تبعات مخربة في النسيج الاجتماعي للعشائر في سورية، أيضا عندما كتبت روايتي نازك خانم، لمدة عامين تقريباً وأنا اقرأ وأتصفح وأمحص المجلات العربية الصادرة في الستينات والسبعينات لأستطيع رسم العوالم الصحيحة لبطلتي، ولشدة ما أحببت كتابات الأديب البيروفي ماريو بارغاس يوسا، اتصل بي أصدقائي لتهنئتي بمناسبة حصوله على جائزة نوبل. رغم كل تلك الكتب التي قرأتها، لابد من البوح بحقيقة أن جدتي كانت صاحبة التأثير الأول في ميلي للشعر والأدب منذ ذلك اليوم الذي كانت تخض فيها اللبن لتخرج الزبدة وهي تغني أشعاراً للزير سالم، وقصائد لعبدالله الفاضل، وتحكي لي حكايات عن أبطال يحملون أسماء غريبة مثل "كان ياما كان" أو "شمهروش" لأكتشف فيما بعد أنهم أبطال كتاب ألف ليلة وليلة منذ ذلك الوقت تسرّب إلي المزاج البدوي الذي دفعني لكتابة عوالم البادية والصحارى السورية. ففي الطفولة هنالك باب يُفتح ليلج المستقبل، ألف ليلة وليلة قرأته قبل أن أبلغ الخامسة عشرة من عمري. * ما نوع التأثير . وهل أنت مقتنعة به . وما مدى استمراره؟ - توسع خيالي أكثر بعد هذا الكتاب. فالخيال بمثابة الأرض التي نملكها دون أن ينازعنا أحد، عوالم الف ليلة وليلة أثثت كل حياتي بقناعتي بسحر الأشياء من حولنا، لكل شيء سحره وامكانياته مهما كان ضئيلا. مازال أبطال ألف ليلة وليلة يرافقونني، أحفظ غالب الأسماء التي حكت عنها شهرزاد، مثل "كان ياماكان" وكان الذي كان" و"صباح البدوي". * هل ترين أن القراءة محرك او دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - باختصار صديقي عبدالرحمن أحب أن أقول لك: لا ثوابت في هذا العالم، كل شيء يتغير. والكلمة وجدت لتخدم الإنسان، والأدب مهمته التنوير بكل ما للكلمة من معنى، الشعوب التي تصادق الكتب ستكون بخير مهما كانت الظروف.

مشاركة :