يحمل سوقا البخارية واليمنيين "اليمنة" في عروس البحر الأحمر، في طياتهما تفاصيل كثيرة تكتنزها ذاكرة الجداويين بين ماضيهم التليد وحاضرهم المتطور. وبين روائح زكية وأخرى تزكم الأنوف تجد في هذا السوق كل غريب وعجيب، البيع بالجملة والأسعار في متناول اليد، وما يعرض في البسطات بعيد عن عين كل حسيب ورقيب. سوق "اليمنة" الشهير ثاني أقدم سوق في وسط البلد بعد البخاريّة، الذي يحوي في طياته نكهة الماضي في حاضرنا المعاصر. سوق تنتشر فيه بسطات الباعة من الجالية اليمنية الذين اتخذوا المكان سوقاً لهم منذ أكثر من 40 عاماً، يبسطون نفوذهم في غالبية زواياه، يقابلهم عدد قليل من الباعة المتجولين من أجناس تحاول منافستهم بلا فائدة. في هذا السوق الشهير القابع وسط جدة، تختلط رائحة الفل والريحان بروائح السمك واللحوح، وأصناف مختلف من الأطعمة الشعبية، وهناك الباعة النساء يعرضن مختلف المنتجات، ومنهن من تبيع الحناء والأعشاب وأخريات يقدمن مختلف أصناف الأطعمة. ما إن تدخل بقديميك للسوق الذي يصنف شعبياً بامتياز حتى يشدك مشهد المطاعم المنتشرة التي تعرض على قائمتها "الخمير، واللحوح، ورأس المندي والسمك المقلي" وأنواع أخرى لا تعرف بعضها. وفي جانب آخر من السوق شكل مختلف آخر من البيع، ستجد محلات قديمة تبيع أواني الفخار على اختلاف استخداماتها وأحجامها، والتي تعد مصدر دخل جيد، لإقبال كثير من المهتمين على اقتنائها، لتزيين منازلهم، وإضفاء لمسة من التصميم الداخلي المبني على التراث والماضي الجميل. المتجول بين مساحات السوق، المزدحم دائماً بالمتسوقين يلاحظ علاقة وطيدة تربط الجميع "الباعة والزوار" بالسوق، بل تكاد الابتسامة لا تفارق محيا الجميع هنا، حيث لم تسطع عوامل الزمن المعاصر أو لسعات الشمس الحارة تكدير صفوها على الإطلاق. رغم افتقار السوق لمقومات النظافة العامة والتنظيم في أبسط صوره، إلا أن مرتاديه يغضون الطرف عن ذلك عشقا وحبا للمكان الذي يمتاز بديناميكية اجتماعية مبنية على الاحترام بين الباعة، حيث يحترم كل منهم جاره، وعدم أخذ مكانه أو التعدي على حدوده حتى وإن لم يكن مالكه رسمياً. العم حسن له في السوق أكثر من أربعة عقود، يقول في حديثه إلى "الوطن" إن المكان في البداية كان مقصدا للأصدقاء، يتبادلون فيه السلع والمعروضات المتنوعة، إلا أنه يحذر من وجود بسطات عشوائية مخالفة قليلة غير مرخصة من قبل البلدية.
مشاركة :