.. ونواصل الحديث برواية ما نقل عن كبار الصحابة رضوان الله عليهم عندما استشعروا دنو الأجل.. إذ روي أن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه حين حضرته الوفاة وجاءت ساعة الاحتضار نادى ربه قائلا: يا رب إنني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أنني ما كنت أحب الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، وإنما لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم. ثم فاضت روحه بعد أن قال: لا إله إلا الله. وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم الرجل معاذ بن جبل)). وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرحم الناس بأمتي أبو بكر، إلى أن قال: وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ)). أما بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه حينما أتاه الموت قالت زوجته: وا حزناه. فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت. وقال: لا تقولي وا حزناه وقولي وا فرحاه. ثم قال: غداً نلقى الأحبة محمدا وصحبه)). وفيما يروى أنه لما حضرت الوفاة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه بكت زوجته فقال: ما يبكيك؟ قالت: وكيف لا أبكي وأنت تموت بأرض فلاة وليس معنا ثوب يسعك كفنا. فقال لها: لا تبكين وأبشري فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين. وليس من أولئك النفر أحد إلا ومات في قرية وجماعة، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت فانظري الطريق. قالت: إني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق. فقال: أنظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا: ما لك يا أمة الله؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه. فقالوا: من هو ؟ قالت: أبو ذر. قالوا: صاحب رسول الله. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ودخلوا عليه فبشرهم وذكر لهم الحديث وقال: أنشدكم بالله لا يكفنني أحد كان أميرا أو عريفا أو بريدا فكل القوم كانوا نالوا من ذلك شيئاً غير فتى من الأنصار فكفنه في ثوبين لذلك الفتى. وصلى عليه عبدالله بن مسعود فكان في ذلك القوم رضي الله عنهم أجمعين)). أما سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه فقد بكى عند موته فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب، وحولي هذه الأزواد. وقيل: إنما كان حوله إجانة وجفنة ومطهرة! الإجانة: إناء يجمع فيه الماء. الجفنة: القصعة يوضع فيها الماء والطعام. المطهرة: إناء يتطهر فيه)). السطر الأخير : {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلاً}.
مشاركة :