د. عارف الشيخ تحدثنا في المقال السابق عن الموت المحقق من خلال القرائن التي ذكرها الفقهاء في كتبهم، وذكرنا بأن الإنسان يحكم عليه بالموت غالباً إذ توقف قلبه وتوقف عن التنفس، لأن ذلك يؤدي إلى موت الدماغ.لكن ما الحكم إذا حكم الأطباء بموت دماغه، وقلبه لم يتوقف بعد؟- يقول الدكتور أحمد كنعان في «الموسوعة الطبية الفقهية» بأن موت الدماغ حالة تطرأ على الدماغ فتؤدي إلى تعطيل وظائفه تعطيلاً نهائياً، والدماغ يتكون من المخ والمخيخ وجذع المخ، وهو بالنسبة لجسم الإنسان يشكل 2٪ من وزنه، لكنه يضم مئات المليارات من الخلايا العصبية التي لا تتكاثر ولا تتجدد، فمتى ماتت حكم على الإنسان بالموت.- إذن إذا مات دماغ الإنسان يفترض أن يموت جسمه كله، لأنه بموت الدماغ يتوقف القلب فلا يتنفس الإنسان عندئذ، لكن هذا كان في زمن لم تكن توجد فيه وسائل الإنعاش.أما اليوم فإذا مات دماغه وتوقف القلب عن التنفس ركبوا عليه الأجهزة وأسعفوه بالتنفس الصناعي الذي يجعل قلبه لا يتوقف ويستمر الإنسان تحت الإنعاش لسنوات، وهذا أوقعنا في إشكالية.- وذهب بعضهم إلى أن موت الدماغ لا يعني نهاية الحياة، بدليل أنه تحت الإنعاش يتنفس وجسمه ينمو والشعر يطول، والظفر يطول، والمريض يتبول ويتغوط، إلا أنه فاقد الوعي ولا يستجيب للمنبهات الخارجية.- ثم إن الإنسان روح وجسد ونفس، فعلاقة الإنسان ليست بدماغه فقط حتى يحكم بموته إذا مات دماغه، بل تتعلق بسائر أعضائه.- كما أن القلب رغم أنه لا يستطيع أن يعيش وحده من غير الدماغ، إلا أنه عندما يتفاعل مع الإنعاش شأنه شأن المريض الذي يستجيب للدواء، فلا يمكن أن نقول بأنه ميت بموت دماغه مادام يستجيب للإنعاش، كما لا نقول بأنه لا يرجى برؤه طالما يستجيب للدواء.- أقول: هذا هو رأي بعض العلماء، لكن من العلماء من قال بأن موت الدماغ أو الموت السريري إذا صح التعبير يعد موتاً للجسم كله ولا اعتبار لحياته تحت الإنعاش، وقد نوقشت هذه المسألة في ندوة الحياة الإنسانية التي عقدت بالكويت عام 1985، تحت إشراف المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، فانتهى المناقشون إلى أن موت الدماغ موت لجذع المخ، فلا أمل حينئذ في إنقاذه، ولو ظل المريض وكأن فيه حياة تحت الإنعاش إلا أنه لو تحقق موت جذع المخ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعية.- وفي عام 1986 أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الأردن قراراً يتضمن القول بأن الشخص يعتبر ميتاً وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين:1- إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً ما، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.2- إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه وأخذ دماغه في التحلل، وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش عنه، إلا أنه لا يعتبر ميتاً شرعاً حتى يتوقف قلبه.- ويذكر الدكتور علي السالوس في «موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة» أن المجمع الفقهي الإسلامي بمكة قرر في دورته العاشرة في عام 1987 بأنه يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن المريض إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء خبراء أن العطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة، لكن لا يحكم بموته إلا إذا توقف القلب والتنفس معاً بعد رفع الأجهزة. أقول: إننا نسمع كثيراً بأن فلاناً مات سريرياً إلا أنه تحت الإنعاش وقلبه لم يتوقف، يستمر كذلك لعدة سنوات، وقد تنفق على علاجه الدولة أو ينفق عليه من ماله، في حين أنه لا فائدة مرجوة من ذلك الإنفاق. إنني أتساءل: أليس هناك من يحتاج إلى كل درهم من تلك الدراهم التي تنفق على ذلك الميت دماغياً ولا فائدة؟فلماذا إذن لا ننقذ بها من يرجى شفاؤه، وندعه يموت أمام أعيننا قبل ذلك الميت سريرياً؟
مشاركة :