الدكتور عصام الجودر مشاركًا في مؤتمر الموسيقى العربية التاسع

  • 11/14/2020
  • 12:10
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شارك الباحث الدكتور عصام الجودر في مؤتمر الموسيقى العربية التاسع والعشرين في القاهرة بجمهورية مصر العربية مؤخرًا، في اليوم الأول للمؤتمر وذلك صباح الإثنين الموافق الثاني من شهر نوفمبر 2020، وعقد المؤتمر في الفترة من 2-5 نوفمبر 2020 بدار الأوبرا تحت محور رئيس (مستقبل الموسيقى العربية، ما بعد الأزمة)، علمًا بأن المؤتمر مُصاحب لمهرجان الموسيقى العربية. وجاء عنوان بحث الدكتور عصام الجودر «أثر الجائحة في مكان الموسيقى»، حيثُ يتخوف الباحث من التبعات السلبية ما بعد انتهاء الأزمة -إن كان لها أن تنتهي- وتعود الناس إلى الفعاليات والأنشطة الافتراضية الثقافية بشكلٍ عام والموسيقية والغنائية بشكلٍ خاص. بدأ البحث بشرح المقصود بالمكان في الموسيقى فهو برأي الباحث «المكان هنا ليس فقط دور الأوبرا وقاعات الموسيقى والمسارح.. بل كُل ما يجمع المؤدي عازفًا أو مغنيًا مع المتلقي أي الجمهور.. فالمكان ممكن أن يكون ساحة عامة، بيوت ثقافية، مكتبات، مصحات، دور للمسنين، وغيرهِ من أمكنة تجمع المؤدي بالجمهور».  وللمكان تأثير مُباشر على الموسيقى، فمن حيث الحجم يُحدِّد حجم الفرقة والبرامج التي تؤديها، ضاربًا -الجودر- مثلاً بقاعتي الموسيقى في دار الأوبرا المصرية، فالمسرح الكبير يُقدِّم أعمال الأوركسترات الضخمة مثل أوركسترا القاهرة السيمفوني، والفرقة القومية للموسيقى العربية، وحفلات الأوبرا والباليه، وغيرها مما يتطلب خشبة مسرح كبيرة، أما المسرح الصغير فيُقدم عليه التخت الشرقي أو مجموعات موسيقى الحجرة، أو أوركسترا ولكن أصغر مما يقدم على المسرح الكبير. ويوضح الباحث هنا أن الفروق لا تقتصر على تضخيم الصوت من خلال زيادة عدد العازفين، وإنما التنوع اللوني للأصوات الموسيقية في الفرق الكبيرة التي تزيد عن الفرق الصغيرة، وكذلك طبيعة البرامج الموسيقية والغنائية التي تقدمها الفرق المُختلفة على المسرحين، فإذن حجم المسرح (المكان) له تأثير مباشر وصريح على نوع الموسيقى.المكان في بعض الحالات يؤثر على طريقة التأليف الموسيقي، فالكاتدرائيات القديمة من العصور الوسطى على النمط القوطي، وذات الأسقف العالية والجداران غير المستوية، لها أثر في أن يكون الامتداد الصوتي أكثر طولاً عنه في قاعات الموسيقى التقليدية، المُختلفة هندسيًا، مما أثر على طبيعة تأليف الألحان الجريجوريانية. كذلك في صالونات قصور النبلاء والأمراء في أوروبا، حيثُ كان يتم تقديم برامج لمجموعات موسيقية صغيرة سُميت بموسيقى الحجرة أو موسيقى الصالون، ما يؤكد أن المكان يفرض شروطه في تحديد حجم الفرق الموسيقية، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل أيضًا ما يُقدم من برامج، ففي القصور كانت تقدم أعمال موسيقية وغنائية تتناسب والذائقة الأرستقراطية وبما يختلف عن ذائقة عامة الناس من المجتمعات الأوروبية.  إن للمكان -أي المسرح- قدرة على نسج علاقة بين المؤدي والمتلقي تتلخص في أوجهٍ ثلاثة رئيسة، فيزيائية ونفسية وإبداعية جمالية. فبالنسبة للجانب الفيزيائي فإن تلقي صوت المغني أو العازف مباشرةً ودون أي أجهزة له تأثير مباشر ومُختلف ومؤثر. أما من الناحية النفسية فإن قُرب المتلقي من المؤدي أو المؤدين يُولّد شعورًا بالانتماء، والخصوصية التي تربطهما بعكس المُتلقي الذي يستمع في عزلته ولم يتسنّ له حضور مكان العرض. بدأت ملامح تحييد المكان عندما أخذَت طباعة المدونات الموسيقية تزدهر في أوروبا، ما أدى إلى انتشار أعمال كثير من المؤلفين الموسيقيين داخل وخارج أقطارهم. ومن أقدم وأهم الاختراعات البشرية والتي تتصل بالموسيقى كان ما تمخض من تجارب قام بها توماس أديسون من جهة وجراهام بيل من جهة أُخرى في مجال تسجيل الصوت وإمكانية انتقاله من مكان إلى آخر في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيثُ كان لهاتين الشخصيتين وتجاربهما الأثر الكبير في زعزعة عرش المكان. إن المرحلة التي نعيشُها ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين تَكَشَّفَ لنا أن المفاهيم التي سادت في زمن ما قبل القرن العشرين قد توارت واندثرت، فمفهوم التذوق والتلقي الذي كان مبنيا على الاحتكاك المُباشر بالمُبدع قد فقد جاذبيته وقلت أهميته بسبب طغيان البدائل الافتراضية غير المحدودة. ومع ذلك فإن أهمية المكان ستبقى، فهو الهوية والذكرى والحاجة والروح، وعادةً ما ينتج «عن العرض الحي أو المُباشر تفاعل بين المؤدي مع الحضور»، وهو سيختفي عند استبدال ذلك بالحفلات الافتراضية. إلاّ أن المكان سيظل يحمل أهميته فهو الدفء، الحميمية، الألفة، العلاقة، التفاعل، الارتباط، الذكرى، الانتماء.. وأكثر من ذلك. لا معنى من دون مكان، ولا جدوى من فصل المكان عن حضوره وإحيائه وتشكيله ومعايشته والشعور به، وكما يُقال «المكان بالمَكين»، حيثُ لا يأخذ أي مكان هويته إلاّ بحضور الإنسان وتفاعله معه، فبحضور جمهورٍ ما إلى حفل موسيقي يكون للقاعة طعم ولون وهوية.

مشاركة :