باريس - ضربة "استاذ كبير" فاجأت بها منصة نتفليكس عشاق لعبة الشطرنج في فصل الخريف، مع عرض السلسلة القصيرة "مناورة الملكة" (ذي كوينز غامبيت) التي تستعيد مسيرة فتاة معجزة سحرت بتصميمها المبتدئين ولاعبي الخبرة على حد سواء. مقتبسة من رواية تحمل نفس الإسم لوالتر تيفيس نُشرت عام 1983، تروي هذه السلسلة غير الواقعية المؤلفة من سبع حلقات والدائرة أحداثها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، الصعود الصاروخي لبيث هارمون، وهي يتيمة من كنتاكي الأميركية عانت الإدمان في عالم ذكوري. باداء تمثيلي مثير للاعجاب، لعبت آنيا تايلور-جوي دور هارمون التي خاضت مبارزات شطرنج أكثر جاذبية من نزالات الملاكمة. عملٌ بتوقيع سكوت فرانك وآلان سكوت سرق في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي الاضواء واصبح من بين الأكثر مشاهدة على المنصة. جاء المسلسل بمثابة هدية لعشاق الشطرنج. يتضح ذلك من خلال المقالات ومقاطع الفيديو المنشورة في المواقع المتخصصة، أو إشادات اللاعبين على مواقع التواصل الاجتماعي. يؤكّد الاستاذ الدولي الكبير الفرنسي أنتوني فيريغ خلال مؤتمر عبر الانترنت حول السلسلة نظمّه موقع "تعلم الشطرنج في 24 ساعة": "هذا أفضل ما رأيته حول الشطرنج". يشرح بيار بيتيكونو أحد مؤسسي الموقع "تأثر كثيرون لرؤية الجو بشكل جيد، هذا الرابط الجسدي بيننا وبين اللعبة". إشادة مماثلة لرئيس الاتحاد الفرنسي بشار قوتلي، المولود في دمشق والذي مثّل لبنان سابقا "سلسلة رائعة قريبة من الواقع" تعتمد على "ثقافة مكثفة" و"مواجهات حقيقية" مستمدة من مسابقات حقيقية. بدورها، تقول الاستاذة الدولية كناريك مراديان، بطلة العرب أربع مرات للسيدات أولها عام 1999 عندما كانت بعمر السادسة عشرة، "أحببت هذه السلسلة بشكل عام، وهي ساعدت في زيادة الوعي إزاء لعبة الشطرنج، إذ أصبحت أتلقى مزيداً من الاتصالات من أشخاص يريدون التعرف أكثر إلى هذه اللعبة وتعليمها لأولادهم". استفادت السلسلة من خبرة اللاعب الاسطوري الروسي غاري كاسباروف، بطل العالم السابق الذي لعب دورا استشاريا مع المدرب الأميركي بروس باندولفيني. وشخصية بيث هارمون مستوحاة جزئيا من مسيرة بوبي فيشر، الأميركي المعجزة الذي أحرز لقب بطولة العالم 1972 اثر "مباراة القرن" ضد السوفياتي بوريس سباسكي، في خضم الحرب الباردة بين البلدين. لكن بعض الأخطاء حدثت خلال توليف السلسلة كما يلاحظ أنتوني فيريغ، مشيرا مثلا إلى مباراة أقيمت على متن طائرة. ويعني عنوان السلسلة في الإنكليزية "ذي كوينز غامبيت" الحركة الافتتاحية في لعبة الشطرنج. وبحسب قوتلي، لا يتمتع الممثلون "بأناقة اللمس" الخاصة بـ"نقلات" لاعبي الشطرنج الحقيقيين، لكن هذا لا يمنع من انه "تم تصويره بشكل رائع". تضيف مراديان "لم يعجبني الجزء المتعلق بالإدمان حول تناول العقاقير والكحول، إذ يعطي انطباعاً سيئاً عن نجوم اللعبة، وقد سُئلت مرات عدة بعد عرض السلسلة إن كان للأمر صلة بالأداء الجيد، وهو ما نفيته تماماً بعدما لاحظت أن التساؤلات زادت حول هذا الموضوع". يتوقع قوتلي "بالتأكيد سيبدأ كثيرون ممارسة الشطرنج بفضل هذه السلسلة". في الواقع، تضاعف عدد زوار موقع "تعلّم الشطرنج في 24 ساعة" عشر مرات، من 600 إلى 6000 يوميا منذ عرض السلسلة، بحسب بيتيكونو. وفي الأيام العشرة التي تلت عرض السلسلة على نتفليكس، زادت عمليات البحث عن ألعاب الشطرنج بنسبة 273% على موقع "إي باي"، بحسب موقع "ذي إندبندنت" البريطاني. لكن هل ارتفع عدد اللاعبات؟ في فرنسا مثلا، لا يمثّل عددهن سوى 22% من مجمل المشاركين في لعبة غالباً ما تم انتقادها بسبب التمييز الجنسي فيها. جانبٌ مخفّف في السلسلة بالنسبة للبعض. في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، قالت الظاهرة المجرية جوديت بولغار المعتزلة عام 2014 ان خصوم بيث هارمون كانوا "لطفاء جدا معها"، مقارنة مع التعليقات المهينة التي واجهتها حتى أن البعض كان يرفض مصافحتها. تشرح مراديان التي أحرزت لقب بطولة لبنان المفتوحة (رجال وسيدات) عام 2005 "ذكّرتني السلسلة بنفسي انطلاقاً من شغف شخصية بيث هارمون بالشطرنج، خصوصاً في طفولتها، إذا كانت اهتماماتي أنا أيضاً مختلفة عن الفتيات الأخريات، وشكّلت هذه اللعبة الوسيلة الوحيدة التي استطعت التعبير عن نفسي من خلالها. كنت بدوري آخذ كتاب الشطرنج معي إلى المدرسة، وأتصفحه خلال الحصة الدراسية". لكن "الوضع تغيّر قليلا"، بحسب جوسلين فولفانغل مديرة قسم اللاعبات في الاتحاد الفرنسي، التي تنظّم بالتوازي مع المسابقات المختلطة دورات مخصصة للنساء لتحسين ادائهن. تتابع "سمعت عدة مرات شبانا يقولون "لقد خسرتَ ضد فتاة، يا للعار". كلما زاد عدد النساء، كلما حصلن على موقع حقيقي".
مشاركة :