ياسر عبيدو يكتب: لا تذبحوا الأشجار فتكون حشفا وسوء كيلة!

  • 11/15/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هناك دعوة الآن لاغتيال الخبرات القديمة وبتر أشجار المعرفة العتيقة السامقة بشواشيها الوارفة الغضة وجذورها الراكزة فى عمق التربة كل المؤسسات الفكرية بهيئاتها الوطنية لسان حالها يقول اذبحوا الكبار أو اطرحوهم أرضا يخل لكم وجه الفساد والجهل!، كما قال إخوة يوسف لبعضهم البعض يوم تآمروا عليه لقتله أو تغييبه من المشهد بعد أن أعمتهم الغيرة هو"اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ" يعنى تكونوا من بعد الفراغ من أمر يوسف بسبب قتله أو طرحه فى أرض بعيدة ، قوما صالحين فى دينكم ، بأن تتوبوا إلى الله بعد ذلك فيقبل الله توبتكم ، وصالحين فى دنياكم بعد أن خلت من المنغصات التى كان يثيرها وجود يوسف بينكم. وهكذا النفوس عندما تسيطر علها الأحقاد ، وتقوى فيها رذيلة الحسد ، تفقد تقديرها الصحيح للأمور، وتحاول التخلص ممن يزاحمها بالقضاء عليه، وتصور الصغائر فى صورة الكبائر ، والكبائر فى صورة الصغائر .. فإخوة يوسف هنا ، يرون أن محبة أبيهم لأخيهم جرم عظيم ، يستحق إزهاق روح الأخ . وفى الوقت نفسه يرون أن هذا الإِزهاق للروح البريئة شيء هين ، فى الإِمكان أن يعودوا بعده قوما صالحين أمام خالقهم ، وأمام أبيهم ، وأمام أنفسهم .هكذا فضح تآمرهم القرآن ووثق جرمهم الذى أضمروه من حقد للمفضل عليهم والأرقى درجة وعلما وحظوة وفهما وتأويلا منهم,ونسوا أنهم من ظهر نبى وفيهم عرق النبوة كابرا عن كابر لكنها العزة بالإثم ونزغ الشيطان الذى أنساهم أنه طفل نبى و ابن نبى وفى رعاية الله من المهد الى اللحد وأنه لن يخصم من رزقهم وميراثهم الذى كتبه الله لهم فى الغيب.تخيلوا أن هذا هو لسان الحال ,للمشهد العبثى الدائر حاليا فى مؤسسات المحروسة والذى تنفذه الهيئات المهيمنة أو التى ترمى الى تعميمه، فالمعروف فى كل بلاد الدنيا أن الكبار فى السن جيوش من الخبرة ومصنع لإعداد اجيال المستقبل وحرفية الكبار لا تذوى ولا تذبل بل تزداد تألقا مع تركم الخبرات ,وأن كليات الإعلام بما تزج به من جيوش من طلبة الصحافة والتليفزيون يخرجون رغم التعليم المتخصص ينقصهم التدريب الحرفى والسبك الذى تتطلبه سوق العمل وبغيره يصبح ما حملت به قرائحهم عجلات متنافرة لا تسير بها سيارة المهنة ولا يستسيغها القارئ الذى بدأ ينفر من إعلام غث لا يسبر غوره الى المعرفة ولا الى سلاسة الكتابة ولا سبك الصياغة التى تألفها العيون وتهضمها القرائح وبدلا من أن يكون أسطوات المهنة وأساتذتها من صياغ الكتابة وذائقتها الرقراقة كعود زاده التمرس طيبا تزيد قيمتهم مع عرك السنين لهم وصقلها لفنهم واطلاق اخيلتهم وتطويع فنهم لنقله الى الصبية الناشئين ليستمر تدفق مياه النهر النمير بنقل الخبرات من التروس الكبيرة الى الناشئة ليتسلم أجيال من أجيال ,كما نظمها ناموس الحياة وقانون المدنية والارتقاء,فما الاسد الا عدة خراف مهضومة بشرط توافر شرطين هما وجود اللياقة الذهنية واللياقة الصحية بالقدر الذى يسمح باستمرار المصباح الدرى فى الاضاءة والبذل ما قدر الله له استمرار العطاء فلا يقعد عن توصيل الرسالة الا فقد أحد الشرطين أو كليهما أو اختيار الموت سنة الحياة التى يذوقها كل حى والمهن الذهنية تختلف عن البدنية فيزيدها الاستمرار والحراك والاحتكاك بأدوات المعرفة طيبا وعبقا ولا تعيق تلبية طموح الصغار الذين يتسلمون منهم المنصات لادارتها وبث روح التحدى والاجادة فيها مع العرفان للجيل المعلم والمؤسس.فالوجود هنا تكامل لا اقصاء ولا نزع واجتثاث تلك هى الرسالة ,التى يكمن بها سر العطاء واستمرار الأشجار السامقة فى الفيء بظلها على الشجيرات الصغيرة والحشائش والبراعم الناشئة ,لكن الذى آلت اليه الامور لا يسر ولا يقيم أود المهنة التى ينقصف أقلامها بفعل فاعل وبدعوى مريبة لاقصاء الكبار والمعلمين ذوى الخبرات التراكمية التى هى سر جودة الصنعة وارتقائها، ورغم اعدادهم القليلة جدا الى غيرها من المهن المناظرة مثل منصات القضاء والتدريس يكون هضم حقوقهم وانتقاص أجورهم بل وبزغت عقود عمل بعد تجاوز سن المعاش صفرية بلا مقابل أو بقروش لا تكفيهم نفقات المواصلات فضلا عن ثمن الدواء ونفقات بيوتهم التى تئن بأبناء غالبا تدميهم البطالة وعدم دمجهم بأسواق العمل التى لم تحسن تأهيلهم الى وظائف مازال الوطن يفتقر اليها فبعد أن كان الكبير يحصل على ما يسد حاجاته ويجعله يسعد بعمله ورسالته التى تفيد المجتمع وتحقق له المعرفة أصبح فى عنت لسان حاله يقول حاول أن تنحرف أو تتربح من عملك لأنك لن تجد مايسد حاجاتك وانت مواطن شريف بعد خروجك الى المعاش وفقدك لثلثى الراتب واكتسابك لأمراض من انكفائك على عملك أدويتها فوق استطاعتك وتأمينك الصحى لن يوفر لك ادويتك التى تحتاجها فعلا وهناك مهن مناظرة لا يحال فيها الخبير او الكبير الى المعاش او الاستيداع ويمد له مادام صحيحا ومدركا مثل القضاء مثلا ولتكن الآية "فهل جزاء الاحسان الا الإحسان " أم يكون مقابل البذل والتضحية بالعمر والخبرة حشفا وسوء كيلة. ,فهل وصلت الرسالة؟.

مشاركة :