المتغيرات المتسارعة على كل الأصعدة في العالم أنهت حقبة لتفتح باب مرحلة حديثة أكثر تطوراً من ذي قبل وبذلك يكون العالم، الذي لم يتمكن بشكل كلي من اللحاق بالثورة المعلوماتية على وجه الخصوص ولذلك نجد التفاوت المجتمعي حيال القدرات النسبية للاستيعاب. ولأن الشرح يطول لو تشعبت هذه النظرية نقتطف من عنقود التطور العام عنوان الصحافة التي نقترح لها أن تكون «صحافة السلام»، من منطلق إبعاد تهمة أن الإعلام أشبه بطائر البوم الذي ينذر بالخراب علماً أن هذا المفهوم لا ينطبق على السلطة الرابعة كونها من المفترض أن تقوم بواجباتها وتلقي الضوء على الواقع العام بدقة. «صحافة السلام» قد تكون فكرة استباقية للمستقبل، لأن العالم الذي يعيش هواجس من جهاته الأربع بات أحوج الى هذا النوع من الإعلام المتفائل، ولو في ظل الضبابيات التي تضرب خيامها فوق رؤوسنا إنما الأهم أن نستلهم من الصفاء صورة شفافة تنقلنا من حيّز السوداوية الى حيّز الأمل بمستقبل التنمية والوجود واستمرارية التطور. لا شك أن الإعلام بمختلف أنواعه «المرئي والمسموع والإلكتروني والمكتوب» بات أقوى سلاحاً ويعتبرها البعض، وبحسب العرف أنها لم تعد السلطة الرابعة بل يمكن أن يقال إنها السلطة الأولى، وهذا يحمّل الصحافي مسؤولية وأعباء إضافية في التزامه بدوره ونقله الخبر والصورة بموضوعية واتزان وحيادية دون تضليل وتحريض وإثارة الفتن أو تشويه للحقائق، ومن دون استخدام مفردات تؤجج الصراعات والخطابات الفتنوية التي تشجع على العنف, بل ان مهام الإعلام السلمي تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية ونبذ النزاعات وردم الحفر الطائفية والمذهبية. ظهرت «صحافة السلام» قبل تسعينيات القرن الماضي بوجه آخر ويعود ذلك لقلة الإشكاليات ولضعف الإمكانيات التكنولوجية التي هي عليه اليوم فإذ حملت بين سطورها الكثير من المفاهيم، التي هي مغايرة للصحافة التقليدية، وكانت مهمتها الرئيسية العمل على توقيف تلويث عقول وأعين وآذان البشر بمفردات إعلامية عنيفة ومؤججة للعواطف وخطابات تحريضية. إن تلك الصحافة تركت التفسير للقارئ أو المشاهد أو المستمع على خلفية النزاعات وأسبابها من دون انحياز، وذلك من خلال الأدوات العملية لتحليل النزاع والتركيز على نقل الحقائق كما هي من دون انحياز لطرف على حساب الطرف الآخر، ومن دون تلاعب بعواطف الجماهير من خلال استخدام كلمات عاطفية مثل مأساة أو أبرياء في سبيل تحقيق أعلى نسبة متابعة، وبالتالي ارتفاع عائدات إعلاناتها، وهي مسؤولية تتحملها جهات الإعلام لتسليط الضوء على النزاعات وأسبابها وكيفية وضع الحلول لأسبابها على أيدي خبراء ومتخصصين. ولعل الأحداث الدرامية «الظرفية» التي تملأ زوايا الوطن العربي هي من صنعت إعلاماً مبينياً على أسس طائفية ومذهبية وسياسية تطرفية مستنداً الى وقائع لحظوية، ومن دون شك أن هذا الإعلام كان أداة فعالة في «صب الزيت على النار لمصالح«جيوسياسية»لخلق خارطة جديدة على حساب متغيرات ديمغرافية. وإذا أسهمت الصحافة التكنولوجية بكل تقنياتها في مد يد العون لكل هذه المتغيرات بات الواقع السياسي والإجتماعي والإنساني أكثر حرصاً على وجود«صحافة السلام» لبدء مرحلة موضوعية جديدة تسلط الضوء على الجوانب البناءة التي سترافق المرحلة المقبلة بمهمة طمس مأساة الربيع العربي بصيف سلام طويل ومن هنا يبدأ التفاؤل بإحلال السلام وصحافته. * كاتبة كويتية Suhaila.g.h@hotmail.com @suhaila.g.h
مشاركة :