في قرى منطقة الباحة تعتبر الآبار القديمة مصدر حياة، حتى ظلت في الحاضر عمق التاريخ ، ومحطة إلهام، بما كانت تشكله من مصدر شريان حياة للشرب بالنسبة للإنسان، وللحقول كري بأشجارها وحنطتها وذرتها وكل محاصيلها. الآبار القديمة، ذلك المكون البيئي الاجتماعي الاقتصادي، كونها ليس مجرد حفرة عميقة في بطن الصخر، بل ولأنها كانت موردًا كريمًا لقيام حياة، وطاقة لوجستية أثيرة لبناء مجتمع حتى وإن كان أحياناً عدده قليل. الآبار التقليدية اليوم في منطقة الباحة، توارت خلف حجب الحداثة بكل تقنياتها، وأصبحت كمن غادر الحياة برأس مرفوعة، أدت ما عليها تمامًا، ثم سلمت الراية لمن جاء بعدها، انطوت صفحتها ماديًا، لكنها ما زالت وستظل ذكرى جميلة، وارثًا عزيرًا لا ولن ينسى، بـ “رعلانها، وقفّها، وغربها، ومجرّتها، وثيرانها”. وتعد آبار المياه المحفورة قديماً مورداً وحيداً في ظل شح الامطار وهي بعد الله سبباً للبقاء وكانت ولازالت منطقة الباحة مليئة بالآبار من مئات السنين تتواجد في محاذاة بطون الأودية ومسائل الشعاب ووسط المزارع وعادة ما تجد البئر ملتصقة بالمنازل تسهيلا “للوراد” ونوع من الحماية والرقابة على مصدر الحياة وبقي القليل باستخدامات ضعيفة جداً نظرا لتحول الأهالي إلى الطرق الحديثة في الري والسقيا وجلب المياه في ظل اهتمام حكومتنا الرشيدة برفاهية المواطن وتامين حياة كريمة له ولأسرته. ولكن تظل “ألبير” القديمة ذات مدلولات عظيمة لدى سكان الباحة خصوصا كبار السن والذين لا زالوا يحتفظون لها بذكرى طيبة كونها كانت يوما مصدر ريهم وملاذهم بعد الله من العطش، وتتراوح أعماق الآبار بالمنطقة بين عشرة أمتار إلى أربعين مترا حسب عمق مستوى سطح الماء. وكان الأهالي قديما يستخدمون مفردة قيم أو قامة أي طول الرجل كوحدة قياس متعارف عليها فيقولون البير عشر قيم أو عشرين قامة .. اما بالنسبة للقطر فيتراوح بين المتر الواحد والخمسة أمتار. وكانت عملية الحفر تتم بمشاركة جميع سكان القرية وتستمر لعدة أيام أو لأشهر حسب نوعية الصخور والتربة ويتكبد العاملين مرارة التعب والإجهاد الكبير في الحفر بالموقع مستخدمين المعول والمجرفة والفاروع والعتلة والمسحاة في الحفر وكذلك الزنابيل. ولضمان سلامة البئر من الاندثار أو التهدم فإنها تبطن بالأحجار وعصي الأخشاب خصوصا الجزء الأعلى وتسمى بير مطوية لتراص الحجر بشكل حلزوني إلى قاع البير ,وبعد الانتهاء والوصول إلى الماء يبدأ جلب المياه بالدلاء يدويا عبر الجمال . والدلو يعتبر من الآنية التي يستخرج بها الماء ويسمى الغرب، يصنع من جلود الحيوانات تتراوح سعته من 10 إلى 40 لترا من الماء .. والصغير منها يطلق عليه (شن) لها ما يعرف بمربط الدلو من جهتين أو أربع، خصوصا الكبيرة للمساهمة في حفظها للماء عند جلبه من قاع البئر.
مشاركة :