يُعد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري من أكابر علماء الإسلام و من أعلام المحدثين ، و له فضل كبير في حقظ حديث نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم و تدوينه عبر تأليف كتابه الجامع الصحيح الذي تلقته الأمة الإسلامية بالقبول و حظي بالشهرة و عُدَّ أصح كتاب بعد القرآن الكريم. و قد أبرز علماء الأحساء مكانة البخاري الحديثية قال العلامة الشيخ أبوبكر بن محمد الملا الحنفي (ت1270ه) في وصفه أمير المؤمنين في الحديث الإمام الناقد الحبر الكامل أبي عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي ). و أثنوا على كتاب الجامع الصحيح ثناء عاطرا قال الشيخ محمد سعيد بن عبدالله العمير الشافعي (ت1203ه) : ( أما بعد : فإنَّ الكتاب الجامع الصحيح المتفق على أنه في كتب الحديث الجدير بالتقديم و الترجيح ، الذي انتقى من الكلمات النبوية دُررها ، و أبدى من الأحاديث المصطفوية رياضها النضرة و غُررها ، حتى كان في هذا الدين بعد الكتاب أظهر برهان و حُجة ، و للمهتدين إلى الحق المبين أوضح منهج ومحجة ، المتفرد في هذه الأمة بالحفظ و الإتقان ، والإجادة فيما أخرجه و أسنده بإحسان ، العالم الذي نفع بعلمه العالم ، العامل الذي عمل بعلمه و ما كاتم ، ذو الفضل الذي لا نزاع فيه لمماري أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري ..). و قال الشيخ محمد بن عبدالله آل فيروز الحنبلي (ت1216ه) في إجازته للشيخ ناصر بن سليمان بن سحيم الحنبلي الزبيري : فمن حديث الهاشمي الجامع جامع من به الضياء لامع إمام أهل السنة البخاري لا زال من ربي عليه جاري فيض الرضى وغاية التكرم منعماً بأرفع التنعم و قد تعددت صور العناية بالصحيح عند أهل الأحساء : أولا –الحفظ : اشتهر الشيخ عيسى بن عبدالرحمن بن مطلق المالكي (ت1198ه) بالبراعة في الحديث الشريف رواية و دراية ، و كان من حفاظ الجامع الصحيح للإمام البخاري ، قال الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر الشيخ عيسى بن عبدالرحمن بن مطلق ، ضرير البصر ، من سكان بلد المبرز من الأحساء ، يحفظ صحيح الإمام البخاري بأسانيده ) و قال الشيخ الأديب أحمد بن علي آل الشيخ مبارك كان حجة الحديث و الفقه ، و ذكر عنه أنه يحفظ صحيح البخاري بأسانيده عن ظهر قلب ). ثانيا-الإجازة : قرأ كثير من علماء الأحساء صحيح البخاري على مجموعة من العلماء المكيين و المدنيين و العراقيين و الشاميين و المصريين و الهنود و المغاربة ثم حصلوا على إجازة فاتصل إسنادهم بالكتاب ، فالشيخ سعد بن محمد الغردقة المالكي (ت1176ه) سافر إلى بغداد و فيها قرأ كتاب الصحيح على العلامة الشيخ سلطان بن ناصر الجبوري البغدادي. و زار الشيخ محمد بن أحمد بن أحمد العثمان المدينة المنورة سنة 1223ه فجلس في حلقات بعض العلماء في المسجد النبوي ، و أجازه الشيخ محمد المرسي بن المختار الحسني المغربي المالكي في الموطأ للإمام مالك و صحيح البخاري و غيرهما. و لقي الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر الشافعي (ت1288ه) العلامة الشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الأزهر في مكة المكرمة سنة 1250ه فقرأ عليه الصحيح ثم أجازه. و حضر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مبارك المالكي (ت1404ه) بعض مجالس الشيخ عمر بن حمدان المحرسي محدث الحرمين في صحيح البخاري و صحيح مسلم و الموطأ و سنن أبي داود و الترمذي و تفسير ابن كثير و كتاب الأسماء و الصفات للبيهقي و غيرها ، ثم أجازه في الرواية عنه سنة 1353ه ، و مما جاء فيها : (الحمد لله و كفى ، و سلام على عباده الذين اصطفى أما بعد : فقد اجتمعتُ بمكة المكرمة سنة 1353 بالشيخ الإمام العلامة الهمام ، نجل العلماء الأعلام ، و مفاخر الإسلام الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم آل المبارك الأحسائي فتمتعتُ بصحبته ومذاكرته التي أنتجت علوما مفيدة بالمسجد الحرام مع جماعات من العلماء ، و حضر بعض مجالسي في صحيح البخاري و مسلم وموطأ إمامنا إمام دار الهجرة و سنن أبي داود و الترمذي و تفسير ابن كثير و كتاب الأسماء والصفات للبيهقي وغيرها ..). ثالثا-كتب ختم الصحيح : صنَّف بعض علماء الأحساء كتب في أدعية ختم قراءة كتاب الجامع الصحيح : -الشيخ محمد سعيد بن عبدالله العمير الشافعي له (ختم صحيح البخاري). -الشيخ محمد بن عبدالله آل فيروز الحنبلي له مصنف بعنوان : (إتحاف القارئ بما يختم به صحيح البخاري). -الشيخ عبدالرحمن بن عمر الملا الحنفي له (دعاء ختم صحيح البخاري) ألفه زمن السلطان محمود بن عبدالحميد. رابعا-التعليق على كتاب الجامع الصحيح : كتب الشيخ عمر بن عبدالرحمن بن محمد الملا الحنفي (ت1085ه) تعليقات على الصحيح قال الدكتور عبدالإله بن محمد الملا لم تجرد من الهوامش). خامسا-تدريس طلاب العلم الوافدين إلى الأحساء: وفد جمع غفير من طلاب العلم إلى الأحساء للدراسة على علمائها ، و كان مما درسوا كتاب الجامع الصحيح و أكتفي بمثالين : -قرأ الشيخ عبدالله بن محمد المزروعي الشافعي العماني (ت1278ه) كتاب الجامع الصحيح على الشيخ أبي بكر بن محمد الملا الحنفي ثم أجازه. -قرأ الشيخ إبراهيم بن حسن آل ربيع الحنبلي الزبيري على الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر الشافعي ثم أجازه ، جاء في الإجازة الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد سيد المرسلين ، و على آله و صحابته أجمعين ، عدد ذكر الذاكرين و غفلة الغافلين ، و بعد : فقد قرأ علي الأخ الصالح – إن شاء الله تعالى – إبراهيم آل ربيع ثلاثيات الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى ، و طلب مني لإحسان ظنه في أن أجيزه فيها وفي بقية الصحيح و في سائر مروياتي ، و قد أجزتُهُ فيما يجوز لي و عني روايته ، و أذنتُ له في ذلك بالشرط المعتبر عند أهل الأثر ) سادسا-مجالس الإقراء : جلس الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك جلسة عامة بين العشاءين حضرها تلاميذه و جيرانه ، و يُقرأ فيها صحيح البخاري ، فإذا تم الانتهاء من قراءته تتم القراءة في صحيح مسلم ، فإذا تم الانتهاء منه يُقرأ كتاب الشفا للقاضي عياض. و عقد الشيخ محمد بن أحمد آل عبداللطيف الشافعي (ت1395ه) مجالس في إقراء الجامع الصحيح للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ، قال تلميذه الشيخ عبدالرحمن بن عمر العكاس : إن رمتَ مجلسه فاقصد هديت له تسمع صحيح البخاري فيه أسرار سابعا-اقتناء الكتاب : تأتي كتب الحديث الشريف و علومه في المرتبة الثانية من حيث الانتشار في الخزائن الأحسائية ، و تشمل صحيح البخاري ، و صحيح مسلم ، و سنن أبي داود ، و سنن ابن ماجة ، وسنن النسائي ، و سنن الترمذي ، و موطأ الإمام مالك ، و مسند المام أحمد. و أخذ التداول صورا : -نسخ الشيخ عبدالرحمن بن أحمد آل عبدالقادر الجامع في أربعة مجلدات و فرغ من كتابته سنة 1190ه. -اشترى الشيخ عبدالله بن سليم الحملي نسخة خطية من الجامع ثم آلت إلى خزانة آل عبدالقادر. -استعار الشيخ أحمد بن محمد الغاشمي الشافعي نسخة من خزانة أسرة العمير. و حرصا على معرفة أحاديث الجامع اقتنى الأحسائيون كتبا في شرحه مثل كتاب فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني و كتاب إرشاد الساري للإمام القسطلاني ، و وجدت في خزانة أسرة آل طوق نسخة من الكوكب الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني ، و النسخة كانت في خزانة كتب آل طوق بالأحساء ثم ملكها الشيخ عبدالله بن عمر ابن دهيش ، و نص قيد التملك مما منَّ الله به على عبده عبدالله بن عمر ابن دهيش السلفي الحنبلي تحرر سنة 1350ه ) ، و تمتاز النسخة بأمور منها أنها بخط مؤلفها ، و قراءتها و مقابلتها عليه بواسطة تلميذه أبي حفص عمر بن علي بن فارس المصري شيخ الحنفية و قارئ الهداية (ت829ه) ، و توجد في طرة النسخة تملكات عديدة لبعض العلماء كالعلامة الشيخ محمد علي بن علان الصديقي الشافعي المكي ، و الشيخ إبراهيم بن عبدالرحمن الخياري الشافعي المكي. بقلم عبدالله بن عيسى الذرمان
مشاركة :