بصورة هزلية ترسّخ الغباء السياسي لجماعة «الإخوان» - كما وصفها ذات يوم الأديب والمفكر محمود عباس العقاد - سارعت الجماعة إلى إصدار بيان بشأن فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية. واعتبرت فوزه برهاناً على أن الشعب الأمريكي ما زال قادراً على فرض إرادته، وتمنت الجماعة المحظورة والإرهابية لبايدن والشعب الأمريكي وشعوب العام أجمع «دوام العيش الكريم في ظل مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان»، وتوجهت إلى الإدارة الأمريكية المنتظرة في 19 يناير المقبل بنداء ينص على أن «الأوان قد آن لمراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات. وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب».البيان الهزلي يكشف بعض الحقائق، أولها أن الجماعة التي تلقت هزائم متتالية في مصر والمنطقة العربية، ما زالت تتعلق بأهداب أمل واهٍ، وبقشة تنقذها من الغرق والارتباك وحالة الانهيار السياسي التي تعيشها، وتراهن على الإدارة الديمقراطية الجديدة، بوهم أن الديمقراطيين هم أنصار الجماعة في البيت الأبيض. كما حدث في عهد أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون. من منطلق أن لا شيء تغير، وأن مياهاً كثيرة لم تجر في نهر السياسة الأمريكية طوال السنوات الأربع الماضية في الداخل والخارج. ثانياً، جماعة «الإخوان» تتوهم أن السيناتور بايدن هو نفسه الرئيس بايدن، سوف تعطيه الأوامر فيجيب ويطيع، وهذا امتياز هذه الجماعة في الغباء السياسي المفرط منذ نشأتها في مصر عام 1928. ثالثاً، الجماعة ما زالت ترفع شعارها الأثير من نهايات عشرينيات القرن الماضي بأنها جماعة «تحت الطلب» دون أية اعتبارات وطنية وقومية، فهي التي تحالفت مع الإنجليز أثناء الاحتلال البريطاني لمصر بعد أن ساهم في نشأتها مالياً وسياسياً، ثم تحالفت مع الملك ضد حزب الوفد الذي كان يمثل الإرادة الشعبية في الحرية والاستقلال قبل ثورة يوليو، ثم حاولت سرقة الثورة فاصطدمت بالضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر، ودخلت مرحلة العنف والإرهاب ضد الدولة في 1965 وما بعدها وحتى الآن، حتى لفظها الشعب المصري والشعوب العربية عقب خديعة «الربيع العربي». رابعاً، البيان يؤكد أن تلك الجماعة لا يهمها سوى مصالحها في العودة من جديد للحياة السياسية في المنطقة العربية بالاستقواء بالخارج حتى لو جاء ذلك على حساب السيادة الوطنية. فرحة «الإخوان» وابتهاجها ربما يبددها ترتيب الأولويات للإدارة الأمريكية الجديدة في السياسة الداخلية والخارجية، ويبددها أيضاً التصريحات التي صدرت خلال الأيام الماضية من الدوائر السياسية القريبة جداً من الرئيس الأمريكي المنتظر جو بايدن، والتي تؤكد أن بايدن ليس أوباما، وأن مشروع استخدام «الإخوان» قد ذهب مع أوباما بلا رجعة. وهؤلاء يؤكدون أنه من الصعب أن يحصل «الإخوان» ومن وراءهم على المزايا التي تمتعوا بها في فترة أوباما لوجود تغييرات كبيرة في المنطقة، منها أن مصر السيسي الذي يريدون التضييق عليه الآن، ليست هي مصر التي تعايشت، رغم ظروفها الأمنية والاقتصادية المتدهورة، ثلاث سنوات مع إدارة أوباما، ولم تستطع تلك الإدارة فرض سياستها بعودة «الإخوان» للمشهد السياسي في مصر. الأمر الآخر، أن بايدن لم يتحدث بصفة رسمية حتى اللحظة لمعرفة استراتيجيته في الشرق الأوسط، والتي ستراعي مصالح الولايات المتحدة - كما يؤكد المقربون منه - ولن تتعارض مع التغييرات في المنطقة إرضاء لـ«الإخوان» أو لداعميها، علاوة - وهذا هو الأكيد - عن أن أولويات بايدن ستكون باتجاه الداخل الأمريكي، وطمأنة الشارع الأمريكي بشأن جدية الإصلاحات التي ينوي تنفيذها. وإضافة إلى مواجهة وباء «كورونا» والأزمات العنصرية التي هزت المجتمع الأمريكي أخيراً. بناءً على ذلك، فإن بايدن سيعمل على استعادة الثقة داخل المجتمع الأمريكي قبل أن يبحر في مياه الشرق الأوسط، التي أبحرت فيها قوى كثيرة وتغيرت خريطة العلاقات السياسية والعسكرية فيها، بل إن هناك من يرى أن الشرق الأوسط ربما يأتي في ترتيب متأخر لأولويات السياسة الخارجية الأمريكية المقبلة التي يهمها في المستقبل القريب إعادة دورها المنسحب في أوروبا، وهيكلة علاقاتها في آسيا. بالتالي لن يكون هناك تأثيرات مفصلية على السياسة الخارجية الأمريكية، فالعلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة في الإدارات السابقة تبنى على المصالح المشتركة، وبالتأكيد سوف يجد بايدن نفسه أمام مصالح ضخمة لن يستطيع أن يتجاهلها والتضحية بها من أجل عيون «الإخوان»! * مدير تحرير «اليوم السابع» المصرية طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :