نبتت فكرة الأماكن الثقافية المفتوحة، من فكرة بسيطة، هدفها تقديم الثقافة والفنون لشرائح مختلفة من الناس، هؤلاء في مجموعهم يشكلون الجمهور الواسع، الذين تختلف أذواقهم، ولكنهم في نهاية المطاف يثيرون حالة من الجدل، تكون المجتمعات بحاجة ماسة إليها، وهو الذي يعني، أن تقديم المنتج الثقافي والفني بهذه الطريقة، هو هدف سام، يتبنى وجهة نظر ذات سياق مختلف، يتفق بالضرورة مع حاجات ومصالح الشريحة الأكبر في المجتمع. في الإمارات، ثمة أشكال مختلفة من عرض المنتج الثقافي بعيداً عن الصالات المغلقة، حيث سنقتصر على نوعين منها، الأول يتعلق بالكتاب، أما الثاني فيتعلق بالمسرح. حرصت الإمارات على إيلاء الكتاب أهمية خاصة، بوصفه المصدر الأساس للمعرفة، وذلك من خلال عدة مناشط وفعاليات، أهمها المعارض المفتوحة للجمهور من خلال (معرض الشارقة الدولي) و(أبوظبي الدولي) و(معرض عجمان للكتاب) كما يحضر الكتاب من خلال مهرجانات الكتب المستعملة، ومؤخراً مع تأسيس (ملتقى دبي للكتاب) أصبحت النوافذ مشرعة والفضاءات مفتوحة أمام جمهور عريض راغب في تحصيل المعرفة، والكتاب بالوسائل المشار إليها، هو كما العروض المسرحية، والتي تقدم في الهواء الطلق، تعتبر بوابات ونوافذ مشرعة على المنتج الثقافي بعيداً عن الصالات المغلقة، التي لا تنال في الأغلب نصيباً كبيراً من إقبال الناس عليها. يتبع معرض الشارقة الدولي للكتاب، لهيئة الشارقة للكتاب، وانطلق عام 1982 ، وهو من العلامات الثقافية البارزة في الشارقة، ويعتبر منارة الأدب والثقافة على المستويين العربي والعالمي، كما أنه الأبرز على صعيد تشجيع الجمهور وجله من فئة الشباب على القراءة من خلال طرح تشكيلة واسعة من أفضل الكتب وبأسعار تناسب الجميع. ويحتل معرض الشارقة للكتاب المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث إقبال القراء عليه، ويقدر زواره في كل عام بالآلاف وينطلق تحت شعار بارز (في حب الكلمة المقروءة) وهو من الإنجازات الثقافية الرائدة في الترويج للكتاب والتشجيع على القراءة، والمعرض يعتبر من الأعمدة الرئيسية لإمارة الشارقة، التي ارتقت بها لتنال لقب عاصمة الثقافة في العام الماضي 2014. فاز المعرض بعضوية العديد من المنظمات الدولية كاتحاد الناشرين الأفروآسيوي واتحاد الناشرين العرب ولجنة مجلس التعاون الخليجي المشترك للكتاب، وحظي أيضاً باعتراف اتحاد الناشرين الدولي اعترافاً بجودة محتواه وتميز تنظيمه. في ذات السياق يبرز معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، والذي بدأ في السنوات الأخيرة يشهد نمواً متسارعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويقدم سنوياً أكثر من نصف مليون عنوان، ويوفر للناشرين وبائعي الكتب من مختلف أنحاء العالم منصة لعرض أعمالهم الأدبية، وفرصة ثمينة لعشاق الكتب للاطلاع على تشكيلة واسعة من الكتب بلغات مختلفة، كما أصبح المعرض منصة لتجمع المثقفين والناشرين الذين يلتقون سنوياً مع بائعي الكتب والقراء من مختلف أنحاء العالم، حيث يهدف إلى خلق سوق رائجة للكتب على مستوى العالم. ومعرض أبوظبي للكتاب هو الآخر، يمثل فضاء مفتوحاً لنشر المنتج الثقافي، لا سيما أنه كما (الشارقة للكتاب) وبما يشتمل عليه من أركان وأجنحة متنوعة، وبما يتضمن من برامج ثقافية، تتوزع بين الترجمة والندوات الفكرية والفنية المتنوعة، كالتشكيل والمسرح وركن الأطفال، يعتبر من المناشط الفاعلة في الترويج للمنتج الثقافي، بعيداً عن البروتوكولات، وقريباً من هاجس الناس وميلهم الفطري للإقبال على القراءة والمطالعة والتزود بالمعرفة من مصادرها المتنوعة. في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي 2014 أعلن في مقر (دار الآداب) في منطقة الفهيدي في دبي (مركز دبي الدولي للكتّاب) الذي وصف في حينه بأنه مبادرة تاريخية وعالمية، وهو أحد مبادرات وأنشطة مؤسسة الإمارات للآداب التي تأسست عام 2013، انطلق المركز فعلياً في الثالث من نوفمبر / تشرين الثاني، كمبادرة تسهم في وضع دبي على خريطة عالم الثقافة والأدب، خاصة أن المركز مفتوح لجميع المواطنين والمقيمين في دبي والإمارات، ولمختلف الجنسيات. يتضمن المركز فعاليات عدة، من بينها واحدة بعنوان كاتب مقيم وتستضيف كتّاباً من الخارج، لمدة ثلاثة أسابيع، وهؤلاء بدورهم ينخرطون في ورش عمل في الكتابة الإبداعية، ويعتبر المركز الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي والشرق الأوسط، كما أن أنشطته تجذب شرائح المجتمع من كافة أطيافه، وهي تتجاوز المنتج الأدبي الصرف، إلى ما يعرف بثقافة (الحياة والعيش)، يضم المركز برامج متقدمة وليست تقليدية، تدمج بين اللغات العربية والإنجليزية وسواهما. ينشط المركز في تقديم مبادرات تحتفي بكثير من الكتاب المعروفين عالمياً، كجبران خليل جبران، و شكسبير وغيرهما، هذا عدا عن اهتمامه الأول والمبدئي بالشعر والكلمة المكتوبة والمسرحيات وكتابة السيناريو وفن الخط العربي، وهو فعاليات تقام على مدار العام، وتلبي تطلعات المجتمع الإماراتي متعدد الثقافات والجنسيات. يعتبر المركز بحسب ما صرح مديره عبد الله الشاعر مركزاً رئيسياً ونقطة التقاء للعديد من المواطنين والوافدين للتواصل بينهم والتفاعل مع الثقافة الإماراتية في دبي، وما يلي ذلك من تبادل الخبرات بين الكتاب والزوار، يسهم المركز إلى جانب برامجه الثابتة بالاهتمام بالمنتج التراثي والاحتفاء به وتعريف الجيل الجديد بالكتاب والأدباء العالميين. مهرجان الكتاب المستعمل، هو واحد من المهرجانات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، انطلقت دورته الأولى في مارس/ آذار 2006 بهدف تنشيط الحراك الثقافي والإنساني على ضفتي قناة القصباء. شهد المهرجان الذي نظم في حينه بالتعاون مع مكتب تطوير قناة القصباء ومراكز الناشئة والأطفال والفتيات ومجموعة شباب الشارقة للعمل التطوعي وعدد كبير من المتطوعين والمتطوعات من طلاب المدارس والجامعات والجاليات العربية والأجنبية، إقبالاً جماهيرياً غفيراً، وكان الهدف منه تعزيز قيمة الكتاب وتنمية روح العمل التطوعي بين أفراد المجتمع، وتوفير إيرادات مالية تخصص لدعم البرامج المقدمة للأبناء المعاقين في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، يدعم المهرجان الناحية الثقافية في مدينة الشارقة، وقد تضمن جناح خاص بالمراكز لعرض وبيع الكتب التي تم جمعها من أولياء أمور الأبناء ومنتسبي المراكز ومن الشباب، كما تضمن المهرجان توزيع كتب جديدة لزواره. كانت هذه الفكرة جديدة على الإمارات، وهي تدمج بين مكونات ثقافية أصيلة ومستجدة، وتدعم فكرة القراءة وتنشط الإقبال عليها، كما أنها لا تحصر الثقافة في الكتاب الجديد، بل تحفز النشء على التزود بالمعرفة من خلال الكتب قديمه وحديثها، وقد عرضت في المهرجان مئات العناوين والإصدارات. العروض المسرحية التي تقدم في الهواء الطلق، هي واحدة، من الأشكال الفنية، التي تبتعد عن عروض العلبة المغلقة، إما لأسباب اختيارية، الهدف منها تنشيط الحركة المسرحية، وإما ملحة، بهدف البحث عن بدائل العروض في المسارح المجهزة، بسبب نقصها، أو عدم قدرة منظمي هذه العروض على اقتراح ميزانيات تليق بالصالات المغلقة، وربما وهذا هو الأهم، التأكيد على جماهيرية الفن المسرحي، واستثمار فضاءات الأمكنة الواسعة، كالشوارع والحدائق والساحات العامة، وهي فكرة شائعة على مستوى العالم. تعود نشأة العروض المسرحية في الهواء الطلق، لمعمارية المسرح اليوناني، كما يؤكد المختصون، وهو معمار بفضاء دائري، محاط بمقاعد متدرجة من الأسفل إلى الأعلى، على سفح هضبة في شكل نصف دائرة يعرف ب (المدرج)، ويحضره ما بين خمسة عشر إلى عشرين ألفاً من المتفرجين. الشارقة، المعروفة باحتضانها لأشكال فنية مختلفة، تجمع بين التشكيل والمسرح والفنون الأدائية المختلفة، كما تتميز بكونها مدينة ثقافية جاذبة، وتشتهر بكونها مكاناً رئيسياً على المستويين العربي والدولي في نشر الكتب، كونها تحتضن معرض الشارقة الدولي للكتاب، هي مكان مؤهل تماماً، للعروض المسرحية في الهواء الطلق، في الشارقة القديمة، قلما يمر موسم مسرحي، لا سيما مهرجان أيام الشارقة المسرحية، إلا ويتضمن شكلاً من أشكال العروض المفتوحة أمام الجمهور، وفي العام الماضي 2014 الذي شهد إعلانها عاصمة للثقافة الإسلامية، أطلق مركز الشارقة الإعلامي، باكورة مشاريعه، وهو مشروع (جزيرة المجاز) الذي كان المقر الرسمي لاحتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، تضمن المشروع مسرحاً مفتوحاً في الهواء الطلق، هو الأول من نوعه على مستوى المنطقة، وضم مرافق أخرى، قدرت تكلفة إنشائها بنحو 140 مليون درهم (38 مليون دولار) صمم المسرح على شاكلة المسارح الرومانية، (مسرح نصف دائري) أقيم على مساحة تبلغ 7238 كيلومتراً مربعاً، وبلغت تكلفته نحو 120 مليون درهم (32.6 مليون دولار). يضم هذا المسرح، مدرجات مقسمة على مجموعات عدة وتتسع ل4500 متفرج، ويتوسطه منصة عرض كبيرة لأداء العروض، وهو مزود بنظام صوتي متطور عالي الجودة والدقة، ومؤهل بكل كفاءة لاستضافة الفعاليات الثقافية والفنية العالمية.
مشاركة :