أردوغان يتراجع مكرها عن معركة خفض أسعار الفائدة

  • 11/20/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إسطنبول - يتقلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين تناقض وآخر بسبب حالة من الإرباك تشهدها إدارته للأزمة الاقتصادية، فالرجل الذي يخوض منذ سنوات حربا شرسة على رفع أسعار الفائدة وحمّلها كل الشرور الاقتصادية من ارتفاع في نسب البطالة والتضخم، وأقال بسببها كفاءات مالية في البنك المركزي كانوا قد عارضوا طروحاته المجانبة للصواب والمخالفة لكل القواعد، عاد اليوم الجمعة ليدافع عن رفع سعر الفائدة الذي أقرّه أمس الخميس محافظ البنك المركزي ناجي إقبال والد زوجته.  وقال أردوغان إن رفع البنك المركزي لسعر الفائدة 475 نقطة أساس (أمس الخميس) علاج مر يهدف لخفض التضخم، القابع عند نحو 12 بالمئة في معظم فترات العام.وتابع "ندرك أننا نحتاج لتناول بعض العلاج المر إذا اقتضى الأمر في هذه المرحلة. أُقيم قرار رفع أسعار الفائدة أمس في هذا الإطار".ومتحدثا إلى قادة أعمال في إسطنبول، قال أردوغان أيضا إنه يعتقد أن تراجع التضخم سيحدث استقرارا في العملة وكرر رؤيته الاقتصادية المحافظة بأن أسعار الفائدة سبب التضخم.وأضاف "هدفنا الحقيقي أن نخفض التضخم إلى رقم في خانة الآحاد في أقرب وقت ممكن، ثم إلى المستويات المستهدفة في الأمد المتوسط وأن نضمن أن أسعار الفائدة ستنخفض بما يتماشى مع هذا".ورفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي إلى 15 بالمئة وتعهد بأن يظل يتبنى موقفا متشددا تجاه التضخم أمس الخميس، مما عزز الليرة في ظل رئاسة محافظ البنك المركزي المُعين حديثا ناجي إقبال.ورفع الفائدة هو الأكبر في أكثر من عامين وقد يدعم الليرة بعد أن بلغت سلسلة من المستويات المتدنية منذ الصيف، على الرغم من أنه قد يبطئ تعافيا اقتصاديا من تداعيات فيروس كورونا.وسلط تحرك البنك المركزي الأخير الضوء على حجم الخسائر التي تكبدتها تركيا طيلة السنوات الأخيرة التي تدخل فيها أردوغان في السياسة النقدية ودفاعه الشرس عن خفض أسعار الفائدة.ودفعت الليرة فاتورة باهظة نتيجة تلك التدخلات، فالعملة الوطنية التركية تعرضت خاصة خلال العامين الماضيين لأسوأ موجة هبوط حيث فقدت ما بين 30 و40 بالمئة من قيمتها.وقدم براءت ألبيرق وزير المالية التركي وصهر الرئيس استقالته مؤخرا "لأسباب صحية"، بينما تحدثت مصادر محلية عن إقالة وليس استقالة بسبب موجة الهبوط التي ضربت الليرة التركية.كما أقال أردوغان محافظ البنك المركزي مراد أويسال وعيّن وزير المالية السابق ناجي إقبال خلفا له. وتولى أويسال منصبه على رأس البنك المركزي في يوليو/تموز 2019 عندما تم تعيينه خلفا لمراد جتينقايا الذي يقال إنه أقيل بسبب معارضته لسياسات أردوغان النقدية.وبدا لافتا في الفترة التي سبقت تولي أويسال إدارة البنك المركزي أن الوضع يتجه من سيء إلى أسوأ مع فشل كل الجهود لكبح انهيار الليرة ومع امتناع المسؤولين والخبراء عن كبح تدخلات الرئيس في السياسات النقدية.وتقول مصادر تركية إن الضغوط التي مارسها أردوغان على البنك المركزي لجهة خفض أسعار الفائدة واعتبار أن ذلك هو الترياق الوحيد لعلاج ارتفاع التضخم وانهيار قيمة العملة، كانت السبب في موجة الهبوط التي لحقت بالليرة تباعا.ما الذي تغير هي ينقلب أردوغان على طروحاتهقبل إقالة صهره وزير المالية وإقالة محافظ البنك المركزي أويسال، كان أردوغان يخوض آخر معاركه لخفض نسبة الفائدة، لكن مع دخول الاقتصاد التركي حالة من الركود ومع بروز مؤشرات مقلقة للغاية، تراجع الرئيس عن نظرياته الاقتصادية التي ثبت بالدليل القاطع أنها ارتجالية مفرغة من كل سند علمي واقتصادي وأن سياساته تدفع بالاقتصاد من الركود إلى الانهيار.ويبدو أنه كان للمحافظ الجديد ناجي اقبال الذي يملك خبرة واسعة في الشؤون المالية دور مهم في إثناء الرئيس عن مواصلة معركته الخاسرة بكل المقاييس وأن التراجع قبل فوات الأوان.وأطلق الرئيس التركي خارطة طريق اقتصادية جديدة يعول فيها على استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، معلنا عن تغييرات ستساعد على تحقيق النمو وتعيد الاستقرار لليرة.   أنقرة - تعيش تركيا على وقع أزمة لم تعد صامتة داخل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يبحث منذ أشهر عن حل يُنهي موجة من الاضطرابات المالية ناجمة عن هبوط لم يفارق الليرة إلا في مرّات نادرة، فنظرية المؤامرة الخارجية التي تستهدف ضرب الاقتصاد التركي والتي سوق لها أردوغان مرارا، لم تعد مقنعة وكان لابد من ستار آخر لمداراة حجم الاخفاقات الاقتصادية المتتالية باستثناء بعض القطاعات التي لم تطلها التدخلات السياسية.وأصبح واضحا أن العلّة ليست في الأشخاص بقدر ما هي في السياسات، فإقالة محافظ البنك المركزي والتي تلتها استقالة وزير المالية بيرات البيرق وهو صهر أردوغان لم تأت من فراغ وإنما هي نتاج فشل منظومة كاملة حاول الرئيس ترسيخها وهي أيضا ليست حدثا معزولا عن تجارب سابقة انتهت كلها إلى الفشل.وتحيل هذه التطورات إلى المعارك التي خاضها أردوغان مع البنك المركزي قبل سنوات قليلة حول سعر الفائدة مخالفا كل النظريات العلمية الاقتصادية وأراء الخبراء وهي المعركة التي انتهت بإقالة كل المعارضين داخل المركزي التركي لرأي الرئيس وتدخلاته في السياسة النقدية.وسبق لأردوغان أن قدم نفسه علنا كخبير اقتصادي في تفصيل علل الاقتصاد التركي بداية بسعر الفائدة وصولا إلى المؤامرة الخارجية لضرب انجازاته الاقتصادية، وهي الذرائع التي سقطت مع تواصل الانهيار القياسي في قيمة العملة الوطنية.وعود على بدء كانت استقالة وزير المالية وهو من أقرب المقربين للرئيس لجهة المصاهرة والانتماء الحزبي، أوضح إشارة على حالة الانسداد السياسي والاقتصادي.والوضع الراهن داخل حكومة أردوغان كان متوقعا على الأقل بين الأوساط السياسية التركية التي عايشت عشرية تميزت بطفرة من النمو الاقتصادي وتعايش اليوم بداية الانهيار.وبدأت حالة الإرباك السياسي مع انشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم على خلفية النزعة التسلطية للرئيس التركي وعلى خلفية سوء الإدارة الاقتصادية والسياسية بما خلق مناخا طاردا للاستثمارات وبما سمم علاقات تركيا الخارجية حتى مع شركائها التجاريين. وتنسجم هذه القراءات مع رأي المعارضة الرئيسية في تركيا التي اعتبرت أن استقالة وزير المالية بيرات البيرق في بيان عبر 'إنستغرام' كانت غير مسبوقة وتصل إلى حد "أزمة دولة"، منتقدة في الوقت ذاته العزل المفاجئ لمحافظ البنك المركزي.ويذهب توصيف زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو للأزمة الراهنة إلى أبعد من مجرد قرارات ارتجالية، مشيرا إلى أن أردوغان المدفوع بطموحات سلطوية وتسلطية، كان "يدير البلاد مثل شركة عائلية" وأن إقالة محافظ البنك المركزي تُظهر أن المؤسسة المالية التي يفترض أنها المسؤولة عن السياسة النقدية "فقدت استقلاليتها".وكانت استقالة وزير المالية مثيرة للغرابة، حيث لم تُبلغ أي جهة إعلامية أو حزبية بقرار الاستقالة التي جاءت في بيان على منصة للتواصل الاجتماعي ولم تصدر عن أي جهة حكومية. وفي وضع بيرات البيرق فإن الأمر مثير بالفعل ويستدعي أكثر من سؤال فالرجل ليس شخصية سياسية عادية، فهو صهر الرئيس وهو مهندس السياسات المالية والاقتصادية وهو ظل الرئيس.وقال كيليجدار أوغلو إنه من المخجل ألا تُبلغ أي وسيلة إعلامية تركية كبرى عن الاستقالة في غضون 24 ساعة تقريبا.والاستقالة التي تم تسويقها تحت عنوان "أسباب صحية" بدت غير مقنعة للرأي العام التركي وللخبراء من متابعي الشؤون التركية منذ تولى حزب العدالة والتنمية الحكم ويبدو أنها ردّ فعل على تعيين أردوغان والد زوجته ناجي اقبال الذي تولى في السابق حقيبة المالية، ليحل محل محافظ البنك المركزي المقال مراد أويسال. وتكهنت وسائل إعلام تركية بأن البيرق عارض تعيين إقبال.والمشهد الذي بدأ يتشكل لتوه يُظهر ملامح خلاف بين المقربين من أردوغان ربما لجهة التموقع السياسي والنفوذ سواء داخل العائلة أو في الحزب أو في الدولة، لكنه أيضا يُكّمل حلقة كانت مفقودة لفترة منذ اجتاحت الاستقالات حزب العدالة والتنمية ورسمت من بعيد خارطة سياسية في طور التشكل مع أحزاب وليدة من رحم العدالة والتنمية تسعى للتحالف أو التعاضد لعزل الرئيس أو أدناها إحداث توازن سياسي وكبح نزعة التفرد بالحكم.وسبق أن شغل البيرق منصب وزير الموارد المائية والطاقة من 2015 وحتى 2018، وتسلم حقيبة وزارة المالية والخزانة عام 2018 وعاشت الليرة في عهده أسوأ فتراتها متقلبة بين هبوط وآخر فما أن تنتعش قليلا حتى تنهار إلى قاع عميقة.وغير بعيد عن رأي حزب المعارضة الرئيسي، سلط رأي أحمد داوود أغلو زعيم حزب 'المستقبل' وهو من كبار المؤسسين المنشقين من حزب العدالة والتنمية وممن كانوا من صناع القرار السياسي في دولة أردوغان، ليؤكد وجاهة قيادة الأخير للبلاد بمنطق العائلة والقبيلة.وقد اعتبر داوود أغلو الذي كان رئيسا للوزراء وقبلها وزيرا للاقتصاد وشغل مناصب حساسة في الدولة والحزب، طريقة إعلان وزير المالية بيرات البيرق عن استقالته من منصبه أنها تعيد تركيا إلى "النظام القبلي".وقال "الأحداث التي شهدتها تركيا مساء أمس الأحد توجب عليها تغيير النظام السياسي القائم الذي يحول سياسة الدولة وأجهزتها إلى مفهوم قبلي"، مضيفا "ندعو إلى إقرار نظام برلماني قوي وندعو الجميع إلى متابعة البيان الذي سننشره خلال اليوم".وربما يُفسّر موقف المعارضة التركية على أنه استثمار سياسي لاستقالة أو إقالة أردوغان لصهره، لكن الوضع واقعا وممارسة يذهب في اتجاه ما ذهبت إليه المعارضة ويعزز سيناريو الإرباك السياسي.والمحصلة أن العلّة ليست في الأشخاص بل في السياسات وأن تغيير وجه بآخر لن يساهم في معالجة الأزمة بشقيها الاقتصادي والسياسي.وقفزت الليرة بما يصل إلى 6 بالمئة اليوم الاثنين في أكبر صعود لها في أكثر من عامين. وكانت يوم الجمعة قد لامست مستوى قياسيا منخفضا جديدا بعد أن هوت 30 بالمئة هذا العام، لتكون الأسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة.وهذا التراجع ناجم عن مخاوف بشأن نضوب الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي وتدخلات باهظة التكلفة من الدولة في أسواق العملة وأسعار فائدة حقيقية سلبية وهي سياسات يمكن إلغاؤها في ظل النظام الجديد، وكذلك خطر عقوبات غربية بسبب سياسات خارجية ودفاعية تركية.وحث كل من أردوغان وألبيرق علنا أيضا على خفض أسعار الفائدة وهو ما أثار مزيدا من المخاوف بشأن استقلالية سياسات البنك المركزي. وفي الشهر الماضي خالف البنك توقعات واسعة لتشديد كبير للسياسة وأبقى على سعر الفائدة الرئيسي مستقرا عند 10.25 بالمئة.وقال المحافظ الجديد ناجي إقبال اليوم إن البنك سيركز على خفض التضخم المرتفع واستخدام جميع أدوات السياسة بشكل حاسم في تصريح وصفه أحد المتعاملين في العملات بأنه "لقي استحسان السوق".وقال مسؤول كبير بحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له أردوغان "إقبال لديه السلطة والقرب لأن يذهب إلى الرئيس مباشرة وينقل إليه الوضع... إنه منصب صعب، لكن يجب اتخاذ خطوات لوقف الزيادة السريعة في سعر الصرف".وفي إشارة إلى بيان استقالة ألبيرق، قال وين ثين الرئيس العالمي لأبحاث العملات لدى براون برازرز هاريمان "الخطر السياسي التركي قفز خلال عطلة نهاية الأسبوع".وقال المحلل المقيم في نيويورك "السبب المعلن هو الصحة، لكن من الواضح أن هناك أكثر مما تراه العين". ولا يزال من غير الواضح من سيحل محل ألبيرق وامتنعت وزارة المالية عن التعقيب.ولم تؤكد مصادر بالرئاسة بيان ألبيرق إلا في وقت مبكر اليوم الاثنين، بعد حوالي 15 ساعة من اتخاذه الخطوة غير المسبوقة بإعلان رحيله على إنستغرام. وفي وقت لاحق، لم يذكر أردوغان الذي يجب أن يوافق على الاستقالة، ألبيرق في كلمة إلى سفراء أتراك.وقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين استقالة صهره من منصب وزير المالية بعد عامين على توليه الحقيبة.وقالت الرئاسة في بيان "بناء على مراجعة الرئيس، تمت الموافقة على طلب وزير الخزانة والمالية براءت البيرق إعفاءه من مهامه". وكتبت في بيان بالانكليزية أن "إنجازات وزيرنا الموقر نالت تقدير الرئيس".وعانت تركيا، أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط من انكماشين حادين في عامين وفقدت عملتها نحو 45 بالمئة منذ تولي ألبيرق المنصب في منتصف 2018.ورغم أن النمو الاقتصادي يتعافى من تداعيات فيروس كورونا، فإن التضخم عالق حول 12 بالمئة والبطالة مرتفعة، لاسيما بين الشباب ومن المتوقع أن تقفز مجددا عند رفع حظر على تسريح العاملين.وباعت البنوك التركية التابعة للدولة هذا العام احتياطيات أجنبية تقدر بمئة مليار دولار لدعم الليرة المنكوبة، لكن بيانات حكومية تظهر أن مثل تلك التدخلات انحسرت في الشهور الأخيرة، فيما يتوقع محللون أن تزداد انحسارا في ظل القيادة الجديدة.وانتقد اقتصاديون وسياسيون معارضون التدخلات كونها تفاقم تراجعا حادا في صافي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي والتي نزلت بأكثر من النصف هذا العام وعلى خلفية التسبب في زيادة غير مسبوقة في حيازات الأتراك من العملة الصعبة.ويتوقع محللون في غولدمان ساكس وتي.دي بنك أن يرفع إقبال وهو صديق مقرب لأردوغان سعر الفائدة الرئيسي بما لا يقل عن 600 نقطة أساس في وقت مبكر قد يكون اجتماع السياسية النقدية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني.وقال ثين من براون برازرز هاريمان "كثيرون الآن يتوقعون أن يسارع إقبال إلى رفع الفائدة بشكل كبير لتحقيق الاستقرار لليرة، إذ أنه ربما لم يكن ليتولى المنصب بدون الحرية في انتهاج سياسات تقليدية".

مشاركة :