عرف العرب عبر تاريخهم الطويل الكثير من الحرف والفنون التزيينية، منها ما ارتبط بشكل الحياة الاجتماعية الاقتصادية والثقافية التي عاشها العرب، مثل زخرفة الأواني، والنحاسيات، ودباغة الجلود، والنقش على المعدن، وصولاً إلى زخرفة أغلفة الكتب. واحدة من هذه الحرف والفنون ارتبطت بالذهنية العربية والقيم المجتمعية التي ظلت سائدة في بناء العقل العربي، وهي حرفة النقش على السيوف والخناجر، إذ مثل السيف رمزاً للقوة وصورة لشخصية الفارس العربي المقاتل. لا يمكن قراءة تاريخ حرفة النقش على السيوف والخناجر من دون التوقف عند العلاقة التي نسجها العربي مع السيف، إذ يشهد التاريخ الكثير من الحكايات التي تؤكد ارتباط العربي بسيفه، وتكشف ما يمثله له من رمز للعزة والقوة والأنفة، فيجد الباحث سيرة طويلة للكثير من السيوف الشهيرة في التاريخ العربي والإسلامي. من هذه السيوف كما تكشف موسوعة التاريخ العربي: سيف الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكان اسمه ذو الفقار وقيل إن النبي غنمه من منبه بن الحجاج وهو أحد المشركين أثناء غزوة بدر، وذكر بعض المؤرخين أنه سمي ذو الفقار لأنه كان يحوي 18 فقرة، وكان متميزاً عن سيوف عصره، وقد توارثه آل بيت الإمام ثم انتقل إلى الخليفة العباسي المهدي ثم الهادي ومن بعده هارون الرشيد. وكذلك هناك سيف الوشاح وهو سيف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والأولق ذو القرط سيف خالد بن الوليد، وخالد نفسه سماه الرسول سيف الله المسلول، والملا سيف سعد بن أبي وقاص، والصدى سيف أبي موسى الأشعري، والصَّمصامة سيف عمرو بن معد يكرب. لذلك مثلت زخرفة السيوف واحدة من الفنون التي تولدت استجابة لمجمل الحالة الثقافية التي عرفها العرب، فلم تكتفِ الشخصية العربية تاريخياً بالفخر بالسيف والتغني به في حكاياتها، أو أشعارها، وإنما راحت تتفنن في تزيينه وتضيف إلى جماليات صنعه رسوماً زخرفة جديدة ترتبط بشخصية حامل السيف وتكشف عن هويته. لقد تنوعت زخرفة السيوف بين الأشكال النباتية، والهندسية، وبعض النصوص المكتوبة، كآيات القرآن الكريم، والأبيات الشعرية وغيرها من أشكال التزيين الزخرفي، ومن أكثر أنواع الكتابات الزخرفية شيوعاً على السيوف الإسلامية، كانت آية الكرسي، وبعض العبارات المقتبسة من كتب الأدعية والأحاديث، ومن نماذج هذه الكتابات: نشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمد عبده ورسوله، وعبارة العز في الطاعة والغنى في القناعة. كما تزينت بعض السيوف بأبيات من الشعر، فمنها على سبيل المثال ما هو مكتوب على أحد السيوف المحفوظة في المتحف القومي بالسودان: غذا إذا العداء بمعرك لرابية في كل عز يصرخ على النديم سمير صفو باسم وعلى العدو كناب فهو أجوع ، أو كما كتب على سيف محفوظ في متحف الفن الإسلامي في القاهرة، حيث نقشت على السيف أبيات للشاعر الجاهلي عنترة بن شداد جاء فيها: حكم سيوفك في رقاب العزل وإذا نزلت بدار ذل فارحل وإذا بليت بظالم فكن ظالما وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل. ليس ذلك وحسب، فقد امتدت زخرفة السيوف لتشمل التعاويذ، والطلاسم التي كان يعتقد البعض أنها تحصن السيوف من الحسد، وتحميها من السرقة، والتلف، أو حتى تحمي حامل السيف من المخاطر، وذلك عائد إلى تكرس قدرة السحر والطلاسم على الحماية وتسخير قوة العالم الخفي. وتفرعت أنواع الزخرفة ليس على صعيد الشكل وحسب، وإنما من حيث التقنية والفن المستخدم، فكان منها النقش الغائر، والنحت النافر، والآخر ما عرف بالتكفيت، وهي فن قائم بذاته استخدم في زخرفة الأواني المعدنية، ومختلف المقتنيات المعدنية.
مشاركة :